حَـفّـزَت مهلةُ الأيام الـ100 التي حدّدها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في السابع والعشرين من شباط لتحسين الأداء الحكومي حَـفّـزَت على تَسريعِ خُططٍ وخطواتٍ نحو الارتقاء بمستوى الخدمات الأساسية. وفيما لم يتبقّ على انتهاء هذه المهلة سوى 33 يوماً، أُعيد طَرحُ دعوات جديرة بالاهتمام لإجراء مراجعة شاملة لواحدٍ من أهم البرامج الحكومية التي تمسّ واقع الحياة اليومية ألا وهو ملف البطاقة التموينية المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بأمن العراق الغذائي.
العراقيون ألفوا نظام الحصص التموينية منذ استحداثه كإجراءٍ مؤقت في عام 1991. بل أن شريحة اجتماعية واسعة تشمل أصحاب الدخول المحدودة والعاطلين عن العمل باتت تعتمد عليه بصورة أساسية لضمان قوتها اليومي. لكن شمولية التوزيع على جميع السكان والتي انتُهجت في ظل العقوبات الدولية المفروضة على النظام السابق جعلت فئات ميسورة من المجتمع تستفيد أيضاً من البطاقة التموينية حتى بعد خروج العراق مما كان يُعرف بالحصار الاقتصادي.
وفي أحدث الدعوات التي تُطرَح بين حينٍ وآخر لتقييم هذا البرنامج بالغ الأهمية بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية، أشارَ سفير العراق لدى منظمات الغذاء التابعة للأمم المتحدة حسن الجنابي في مقالٍ نشَره أخيراً تحت عنوان (العراق: "الأمن الغذائي" أم "البطاقة التموينية"؟)، أشارَ إلى الحاجة إلى "وقفةِ مراجعةٍ تتّحد بها قوى المجتمع كافة لإنقاذ البلاد من هذا الإرث الثقيل الذي ورثه من النظام السابق، واللجوء إلى وسائل وبرامج أثبتت الحياة فاعليتها، مشابهة لما جرى في البرازيل والهند والصين وفيتنام وغيرها من الدول التي حققت نجاحات" على هذا الصعيد. ولكن المقال لفَت إلى ما يبدو واضحاً أنه في حال "تصدّت الحكومة بشجاعة إلى أمر المراجعة الشاملة لملف البطاقة التموينية باتجاه التخلص منها لمصلحة المجتمع والدولة، فإن بعض القوى السياسية قد تحاول النيل منها وابتزازها"، على حد تعبيره.
إلى ذلك، ثمة اعتقاد اجتماعي سائد يساوي ما بين "البطاقة التموينية" ومفهوم "الأمن الغذائي". بـَل أن العديد يعتقدون أن البطاقة التموينية في العراق "هي الشكل الأمثل لتحقيق الأمن الغذائي في حين أن اللجوء إلى استخدام البرنامج هو إجراء وقتي يُلجَأ إليه في الأزمات والكوارث التي تؤدي إلى تعطيل، أو تشويه، سوق الغذاء المحلي."
وفي إيضاحه لهذا الالتباس بين المفهوميْن، قال الجنابي لإذاعة العراق الحر في مقابلة أجريتُها معه الثلاثاء إن "مفهوم الأمن الغذائي هو الآن أكثر شمولاً مما كان يُعتقد في السابق...فمقارنة الأمن الغذائي بما كان يسمى الاكتفاء الذاتي من الإنتاج الزراعي لم تعد صحيحة لأن الاكتفاء الذاتي ليس بالضرورة أن يكون شرطاً من شروط تحقيق الأمن الغذائي إذ أن بعض الدول لا تستطيع إنتاج محاصيل زراعية معيّنة ولكن لديها القدرة على شراء الغذاء وعلى جعله متوفراً للمواطنين، وفي الوقت ذاته مواطنو هذه الدول لهم القدرة على الحصول على الغذاء والحصول عليه في كل الأوقات..........."
وفي حديثه عن نظام البطاقة التموينية الذي بوشر بتطبيقه قبل عشرين عاماً والذي لا يبدو حالياً أفق محدد لإنهاء العمل به، ذكر أن البرنامج "تعزّز أكثر هذا العام بتحويل مبالغ إضافية كانت قد رصدت في ميزانية الدولة لإنجاز مشاريع أخرى، بما فيها معدات عسكرية في ظل وضع أمني معقد، مما يعني أن برنامج البطاقة التموينية لا يزال يعتبر ملفاً شديد الحساسية"، على حد وصفه. وأعرب عن اعتقاده بأن الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المحتملة "كافية لردع أية محاولة لمراجعته من قبل الحكومة، حتى لو كانت المراجعة بغرض تحسين الوضع الغذائي للسكان."
الجنابي أكد ضرورة أن يستهدف أي تقييم لنظام البطاقة التموينية إلى تحويله نحو برنامج أكثر إنتاجاً وفاعليةً وبما يسمح للمجتمع بإنتاج غذائه والحصول عليه وليس إلى إلغاء العمل بالنظام. وأوضح أن الدعوة لمراجعة هذا البرنامج "لا تعني تعريض الشعب، وخاصة الفقراء وأصحاب الدخل المحدود، إلى مجاعة بقدر ما هي دعوة إلى استبداله ببرامج أكثر فائدة وواقعية تؤدي إلى تحرير المجتمع من سطوة الفقر والعوز والجوع والاعتماد على المساعدات التي تقدمها الحكومة، وهي دعوة للتفكير بإيجاد حلول مناسبة لهذا القيد الموروث من النظام السابق، ونداء إلى تكاتف الجميع من أجل مساعدة الفقراء والمعوزين وتمكينهم من تغيير ظروف حياتهم نحو الأفضل"، بحسب تعبيره.
وفي ردّه على سؤال يتعلق بأهمية أجراء مثل هذه المراجعة الشاملة خلال المرحلة الحالية، أعرب عن اعتقاده بأن "الوقت مناسب" لإجرائها، مشيراً إلى أن العراق أنفَق منذ عام 1991 وحتى الآن "مبالغ طائلة قد تتجاوز المائة مليار دولار من أجل استيراد المواد الغذائية المطلوبة في البطاقة التموينية دون أن يخلق هذا الاستثمار الكبير من المال مناصب عمل للعاطلين، أو يحفّز الإنتاج الزراعي في البلاد، التي هي في أمس الحاجة لتحريك عجلة الاقتصاد للقضاء على الفقر والمجاعة التي تفشّت منذ غزو الكويت عام 1990، والتي ما زال يعاني منها 23% من السكان حسب دراسة الجهاز المركزي للإحصاء حول الأمن الغذائي والهشاشة في العراق."
وفي إشارته إلى تصريح لوزير التجارة العراقي خلال مؤتمر صحفي الشهر الماضي بشأن حاجة وزارة التجارة إلى أكثر من سبعة مليارات دولار لتغطية احتياجات البطاقة التموينية، وصَف هذا الرقم بأنه "كبير بكل المقاييس لكونه يشكل ثمانية ونصف في المائة (8.5%) من ميزانية العراق لعام 2011 وهو مخصص بالكامل لاستيراد مواد غذائية للبطاقة التموينية، دون أن يحفز القطاع الإنتاجي الزراعي الداخلي لا من قريب ولا من بعيد."
وفي المقابلة التي أجريتُها عبر الهاتف، تحدث الجنابي عن موضوعات أخرى ذات صلة وأجاب أيضاً عن سؤال يتعلق بأهمية التعاون الدولي لتحقيق أمن العراق الغذائي خاصةً عبر تعزيز العلاقات مع منظمات متخصصة كبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة WFP قادرة على المساعدة في تحويل نظام البطاقة التموينية إلى برنامج أكثر إنتاجاً وفاعليةً لجميع أفراد المجتمع العراقي.
مزيد من التفاصيل في الملف الصوتي الذي يتضمن مقابلة مع سفير العراق لدى منظمة الأغذية والزراعة الدولية ومنظمات الأمم المتحدة الأخرى في روما د. حسن الجنابي:
العراقيون ألفوا نظام الحصص التموينية منذ استحداثه كإجراءٍ مؤقت في عام 1991. بل أن شريحة اجتماعية واسعة تشمل أصحاب الدخول المحدودة والعاطلين عن العمل باتت تعتمد عليه بصورة أساسية لضمان قوتها اليومي. لكن شمولية التوزيع على جميع السكان والتي انتُهجت في ظل العقوبات الدولية المفروضة على النظام السابق جعلت فئات ميسورة من المجتمع تستفيد أيضاً من البطاقة التموينية حتى بعد خروج العراق مما كان يُعرف بالحصار الاقتصادي.
وفي أحدث الدعوات التي تُطرَح بين حينٍ وآخر لتقييم هذا البرنامج بالغ الأهمية بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية، أشارَ سفير العراق لدى منظمات الغذاء التابعة للأمم المتحدة حسن الجنابي في مقالٍ نشَره أخيراً تحت عنوان (العراق: "الأمن الغذائي" أم "البطاقة التموينية"؟)، أشارَ إلى الحاجة إلى "وقفةِ مراجعةٍ تتّحد بها قوى المجتمع كافة لإنقاذ البلاد من هذا الإرث الثقيل الذي ورثه من النظام السابق، واللجوء إلى وسائل وبرامج أثبتت الحياة فاعليتها، مشابهة لما جرى في البرازيل والهند والصين وفيتنام وغيرها من الدول التي حققت نجاحات" على هذا الصعيد. ولكن المقال لفَت إلى ما يبدو واضحاً أنه في حال "تصدّت الحكومة بشجاعة إلى أمر المراجعة الشاملة لملف البطاقة التموينية باتجاه التخلص منها لمصلحة المجتمع والدولة، فإن بعض القوى السياسية قد تحاول النيل منها وابتزازها"، على حد تعبيره.
إلى ذلك، ثمة اعتقاد اجتماعي سائد يساوي ما بين "البطاقة التموينية" ومفهوم "الأمن الغذائي". بـَل أن العديد يعتقدون أن البطاقة التموينية في العراق "هي الشكل الأمثل لتحقيق الأمن الغذائي في حين أن اللجوء إلى استخدام البرنامج هو إجراء وقتي يُلجَأ إليه في الأزمات والكوارث التي تؤدي إلى تعطيل، أو تشويه، سوق الغذاء المحلي."
وفي إيضاحه لهذا الالتباس بين المفهوميْن، قال الجنابي لإذاعة العراق الحر في مقابلة أجريتُها معه الثلاثاء إن "مفهوم الأمن الغذائي هو الآن أكثر شمولاً مما كان يُعتقد في السابق...فمقارنة الأمن الغذائي بما كان يسمى الاكتفاء الذاتي من الإنتاج الزراعي لم تعد صحيحة لأن الاكتفاء الذاتي ليس بالضرورة أن يكون شرطاً من شروط تحقيق الأمن الغذائي إذ أن بعض الدول لا تستطيع إنتاج محاصيل زراعية معيّنة ولكن لديها القدرة على شراء الغذاء وعلى جعله متوفراً للمواطنين، وفي الوقت ذاته مواطنو هذه الدول لهم القدرة على الحصول على الغذاء والحصول عليه في كل الأوقات..........."
وفي حديثه عن نظام البطاقة التموينية الذي بوشر بتطبيقه قبل عشرين عاماً والذي لا يبدو حالياً أفق محدد لإنهاء العمل به، ذكر أن البرنامج "تعزّز أكثر هذا العام بتحويل مبالغ إضافية كانت قد رصدت في ميزانية الدولة لإنجاز مشاريع أخرى، بما فيها معدات عسكرية في ظل وضع أمني معقد، مما يعني أن برنامج البطاقة التموينية لا يزال يعتبر ملفاً شديد الحساسية"، على حد وصفه. وأعرب عن اعتقاده بأن الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المحتملة "كافية لردع أية محاولة لمراجعته من قبل الحكومة، حتى لو كانت المراجعة بغرض تحسين الوضع الغذائي للسكان."
الجنابي أكد ضرورة أن يستهدف أي تقييم لنظام البطاقة التموينية إلى تحويله نحو برنامج أكثر إنتاجاً وفاعليةً وبما يسمح للمجتمع بإنتاج غذائه والحصول عليه وليس إلى إلغاء العمل بالنظام. وأوضح أن الدعوة لمراجعة هذا البرنامج "لا تعني تعريض الشعب، وخاصة الفقراء وأصحاب الدخل المحدود، إلى مجاعة بقدر ما هي دعوة إلى استبداله ببرامج أكثر فائدة وواقعية تؤدي إلى تحرير المجتمع من سطوة الفقر والعوز والجوع والاعتماد على المساعدات التي تقدمها الحكومة، وهي دعوة للتفكير بإيجاد حلول مناسبة لهذا القيد الموروث من النظام السابق، ونداء إلى تكاتف الجميع من أجل مساعدة الفقراء والمعوزين وتمكينهم من تغيير ظروف حياتهم نحو الأفضل"، بحسب تعبيره.
وفي ردّه على سؤال يتعلق بأهمية أجراء مثل هذه المراجعة الشاملة خلال المرحلة الحالية، أعرب عن اعتقاده بأن "الوقت مناسب" لإجرائها، مشيراً إلى أن العراق أنفَق منذ عام 1991 وحتى الآن "مبالغ طائلة قد تتجاوز المائة مليار دولار من أجل استيراد المواد الغذائية المطلوبة في البطاقة التموينية دون أن يخلق هذا الاستثمار الكبير من المال مناصب عمل للعاطلين، أو يحفّز الإنتاج الزراعي في البلاد، التي هي في أمس الحاجة لتحريك عجلة الاقتصاد للقضاء على الفقر والمجاعة التي تفشّت منذ غزو الكويت عام 1990، والتي ما زال يعاني منها 23% من السكان حسب دراسة الجهاز المركزي للإحصاء حول الأمن الغذائي والهشاشة في العراق."
وفي إشارته إلى تصريح لوزير التجارة العراقي خلال مؤتمر صحفي الشهر الماضي بشأن حاجة وزارة التجارة إلى أكثر من سبعة مليارات دولار لتغطية احتياجات البطاقة التموينية، وصَف هذا الرقم بأنه "كبير بكل المقاييس لكونه يشكل ثمانية ونصف في المائة (8.5%) من ميزانية العراق لعام 2011 وهو مخصص بالكامل لاستيراد مواد غذائية للبطاقة التموينية، دون أن يحفز القطاع الإنتاجي الزراعي الداخلي لا من قريب ولا من بعيد."
وفي المقابلة التي أجريتُها عبر الهاتف، تحدث الجنابي عن موضوعات أخرى ذات صلة وأجاب أيضاً عن سؤال يتعلق بأهمية التعاون الدولي لتحقيق أمن العراق الغذائي خاصةً عبر تعزيز العلاقات مع منظمات متخصصة كبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة WFP قادرة على المساعدة في تحويل نظام البطاقة التموينية إلى برنامج أكثر إنتاجاً وفاعليةً لجميع أفراد المجتمع العراقي.
مزيد من التفاصيل في الملف الصوتي الذي يتضمن مقابلة مع سفير العراق لدى منظمة الأغذية والزراعة الدولية ومنظمات الأمم المتحدة الأخرى في روما د. حسن الجنابي: