يـَذهبُ أحدث تحليل عن الاحتجاجات المتنامية في العراق إلى أنها تدلل على احتمال وجود قواسم مشتركة بين هذا البلد الديمقراطي الناشئ مع أنظمة ديكتاتورية عربية على نحوٍ قد لا تـُقرّ به الولايات المتحدة.
التحليلُ المنشور في مجلة (فورين بوليسي) Foreign Policy الأميركية الثلاثاء تحت عنوان (الاحتجاج بشدة) يستهلّ بوصف مشاهد التظاهرات التي جرت في وسط بغداد يوم الجمعة الماضي والتي أشارت الكاتبة أليس فوردهام Alice Fordham إلى حدوثها رغم تحذيرات رئيس الوزراء العراقي بأن عناصر القاعدة وفلول البعث الصدامي تخطط للاندساس بين صفوف المحتجين، ورغم الإجراءات الأمنية المشددة، ورغم مناشدات رجال الدين للسكان بالبقاء بعيداً عنها، بحسب تعبيرها.
وتمضي المجلة الأميركية المرموقة إلى القول إن "احتجاجات جمعة الغضب في بغداد تسلّط الضوء على مشاعر الإحباط ذاتها التي قادت التونسيين والمصريين إلى الإطاحة بالمستبدّين بهم علماً بأن جيلاً من العراقيين ترعرع مع قدر أقل من السيطرة على حياته بالمقارنة مع الشباب في أماكن أخرى من العالم العربي. ذلك أن أبناء هذا الجيل خرجوا من الوحشية والندرة التي عانوا منها في عهد صدام حسين إلى التحرير الذي قادَتـْهُ الولايات المتحدة دون مُطالَبتـِهم به. وقامت قوات أجنبية بتسيير دوريات في الشوارع مع تفتيش المنازل ليلاً والصراخ بلغةٍ لا يفهمونها، بَل حتى ارتكبَت القتل دون سبب وجيه بحسب ما أظهرت وثائق ويكيليكس المسرّبة. وأدّت الفوضى التي أعقبت ذلك إلى وضع هذا الجيل تحت رحمة الميليشيات العراقية المخيفة"، بحسب تعبيرها. وترى الكاتبةُ أن أبناء هذا الجيل يعيشون الآن في ظل ما يبدو أنه حكم يقوّض بعضاً من الضوابط والتوازنات الموجودة في الأنظمة الديمقراطية بهَدف إخضاع الحكومة للمساءلة من قبل الشعب.
وفي تعقيبه على هذا التحليل، قال الدكتور حميد فاضل أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد لإذاعة العراق الحر إنه يرى فيه "قدراً من الصواب بالحديث عن الثقافة المهيمنة اليوم في العراق والتي لا زالت للأسف الشديد تعيش في إطار ثقافة الاستبداد....ولكني لا أتفق معه من زاوية أن الشرعية الوحيدة اليوم حتى لمن يستخدم القوة في العراق هي شرعية الانتخابات إذ لا يمكن القول إن حكومة السيد المالكي هي كالحكومات المستبدة في المنطقة العربية حتى وإنْ أظهرَت بعض مظاهر القوة أو الاستبداد ولكن في النهاية هو استبداد مقرون بانتخابات وصناديق الاقتراع، وأعتقد أن الانتخابات القادمة ستشهد تغيراً كبيراً..........."
من جهته، قال الباحث في الشؤون الإستراتيجية الدكتور عماد رزق "إن ما يدور الآن في العراق من انتفاضة أو من تعبير للرأي يمكن أن نراه في أكثر الدول الديمقراطية الأوروبية..وما تُعبّر عنه الاحتجاجات العراقية من مطالب تتركز على مكافحة الفساد ومحاسبة المسؤولين الأمر الذي يجعلها مختلفة عن تظاهرات تجري في العالم العربي وتطالب بإسقاط أنظمة شمولية، بينما العراق يمكن اعتباره نموذجاً جيداً في الديمقراطية......"
وفي مقابلةٍ أُجريت عبر الهاتف ظهر الثلاثاء، تحدث رزق عن موضوعات أخرى ذات صلة بينها التزام عراق ما بعد الديكتاتورية بالمبادئ الديمقراطية الأساسية للضوابط والتوازنات التي تستهدف إخضاع أي حكومة مُنتَخبة للمساءلة من قبل الشعب.
يُشار إلى مقارناتٍ ورَدت أخيراً في عدة دراسات وتحليلات غربية بين الانتفاضات التي تشهدها دول المنطقة والتي أثارت احتمال تشابهٍ بينها وبين التظاهرات الشعبية الحاشدة التي جرت في أوروبا الشرقية مع سقوط جدار برلين قبل أكثر من عقدين. لكن صحيفة أميركية بارزة نَـبّهت في مقالٍ نشَرته الأسبوع الماضي تحت عنوان (في العالم العربي، إنه عام 1848 وليس 1989) نبّهت إلى أوجُه الشبَه مع انتفاضاتٍ شعبية أوروبية مماثلة جرت في القرن التاسع عشر.
كاتبةُ المقال المنشور في (واشنطن بوست) بتاريخ 21 شباط آن آبلبوم Anne Applebaum استهلّت بالجملة التالية: "يجب تقييم كل ثورة في سياقها الخاص إذ أن كلا منها كان له أثر مميز. لقد انتشرت الثورات من مكان إلى آخر، وتفاعَلت على نطاق محدود.... وتكشّفت حالة كل ثورة بشكل منفصل فيما كان لكلٍ منها أبطالها، وأزماتها الخاصة. لذلك فإن كلا منها يتطلب سرداً خاصاً بها."
لكن الكاتبة أوضحت أن هذه الفقرة التي تبدو ملائمة لوصف واقع الحال في المنطقة العربية عام 2011 ما هي في الواقع إلا جزء من مقدمة أحد الكتب عن تاريخ الثورات الأوروبية في عام 1848.
وفي تعقيبه على هذه المقارنة، ذكر الباحث رزق لإذاعة العراق الحر أن "التحوّلات في العالم العربي عامةً والانتفاضات التي نتابعها في أكثر من قطر عربي مشابهة لما جرى قبل نحو مائتي عام مع بداية التحركات في العالم الأوروبي، وهذا يؤشر إلى أن العالم العربي في ظل العولمة وفي ظل وصول كل متطلبات الحياة الحديثة والتكنولوجيا والديمقراطية إليه..بدأ يعي حقيقة وجوده...وبدأ يأخذ منحى إيجابياً.........."
وفي إجابته عن سؤال آخر، أجرى رزق مقارنةً بين الاحتجاجات الشعبية الحالية في عام 2011 مع حركات الاستقلال التي شهدتها دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية في منتصف القرن الماضي.
مزيد من التفاصيل في الملف الصوتي الذي يتضمن مقابلتين مع الباحث في الشؤون الإستراتيجية د. عماد رزق، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد د. حميد فاضل.
التحليلُ المنشور في مجلة (فورين بوليسي) Foreign Policy الأميركية الثلاثاء تحت عنوان (الاحتجاج بشدة) يستهلّ بوصف مشاهد التظاهرات التي جرت في وسط بغداد يوم الجمعة الماضي والتي أشارت الكاتبة أليس فوردهام Alice Fordham إلى حدوثها رغم تحذيرات رئيس الوزراء العراقي بأن عناصر القاعدة وفلول البعث الصدامي تخطط للاندساس بين صفوف المحتجين، ورغم الإجراءات الأمنية المشددة، ورغم مناشدات رجال الدين للسكان بالبقاء بعيداً عنها، بحسب تعبيرها.
وتمضي المجلة الأميركية المرموقة إلى القول إن "احتجاجات جمعة الغضب في بغداد تسلّط الضوء على مشاعر الإحباط ذاتها التي قادت التونسيين والمصريين إلى الإطاحة بالمستبدّين بهم علماً بأن جيلاً من العراقيين ترعرع مع قدر أقل من السيطرة على حياته بالمقارنة مع الشباب في أماكن أخرى من العالم العربي. ذلك أن أبناء هذا الجيل خرجوا من الوحشية والندرة التي عانوا منها في عهد صدام حسين إلى التحرير الذي قادَتـْهُ الولايات المتحدة دون مُطالَبتـِهم به. وقامت قوات أجنبية بتسيير دوريات في الشوارع مع تفتيش المنازل ليلاً والصراخ بلغةٍ لا يفهمونها، بَل حتى ارتكبَت القتل دون سبب وجيه بحسب ما أظهرت وثائق ويكيليكس المسرّبة. وأدّت الفوضى التي أعقبت ذلك إلى وضع هذا الجيل تحت رحمة الميليشيات العراقية المخيفة"، بحسب تعبيرها. وترى الكاتبةُ أن أبناء هذا الجيل يعيشون الآن في ظل ما يبدو أنه حكم يقوّض بعضاً من الضوابط والتوازنات الموجودة في الأنظمة الديمقراطية بهَدف إخضاع الحكومة للمساءلة من قبل الشعب.
وفي تعقيبه على هذا التحليل، قال الدكتور حميد فاضل أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد لإذاعة العراق الحر إنه يرى فيه "قدراً من الصواب بالحديث عن الثقافة المهيمنة اليوم في العراق والتي لا زالت للأسف الشديد تعيش في إطار ثقافة الاستبداد....ولكني لا أتفق معه من زاوية أن الشرعية الوحيدة اليوم حتى لمن يستخدم القوة في العراق هي شرعية الانتخابات إذ لا يمكن القول إن حكومة السيد المالكي هي كالحكومات المستبدة في المنطقة العربية حتى وإنْ أظهرَت بعض مظاهر القوة أو الاستبداد ولكن في النهاية هو استبداد مقرون بانتخابات وصناديق الاقتراع، وأعتقد أن الانتخابات القادمة ستشهد تغيراً كبيراً..........."
من جهته، قال الباحث في الشؤون الإستراتيجية الدكتور عماد رزق "إن ما يدور الآن في العراق من انتفاضة أو من تعبير للرأي يمكن أن نراه في أكثر الدول الديمقراطية الأوروبية..وما تُعبّر عنه الاحتجاجات العراقية من مطالب تتركز على مكافحة الفساد ومحاسبة المسؤولين الأمر الذي يجعلها مختلفة عن تظاهرات تجري في العالم العربي وتطالب بإسقاط أنظمة شمولية، بينما العراق يمكن اعتباره نموذجاً جيداً في الديمقراطية......"
وفي مقابلةٍ أُجريت عبر الهاتف ظهر الثلاثاء، تحدث رزق عن موضوعات أخرى ذات صلة بينها التزام عراق ما بعد الديكتاتورية بالمبادئ الديمقراطية الأساسية للضوابط والتوازنات التي تستهدف إخضاع أي حكومة مُنتَخبة للمساءلة من قبل الشعب.
يُشار إلى مقارناتٍ ورَدت أخيراً في عدة دراسات وتحليلات غربية بين الانتفاضات التي تشهدها دول المنطقة والتي أثارت احتمال تشابهٍ بينها وبين التظاهرات الشعبية الحاشدة التي جرت في أوروبا الشرقية مع سقوط جدار برلين قبل أكثر من عقدين. لكن صحيفة أميركية بارزة نَـبّهت في مقالٍ نشَرته الأسبوع الماضي تحت عنوان (في العالم العربي، إنه عام 1848 وليس 1989) نبّهت إلى أوجُه الشبَه مع انتفاضاتٍ شعبية أوروبية مماثلة جرت في القرن التاسع عشر.
كاتبةُ المقال المنشور في (واشنطن بوست) بتاريخ 21 شباط آن آبلبوم Anne Applebaum استهلّت بالجملة التالية: "يجب تقييم كل ثورة في سياقها الخاص إذ أن كلا منها كان له أثر مميز. لقد انتشرت الثورات من مكان إلى آخر، وتفاعَلت على نطاق محدود.... وتكشّفت حالة كل ثورة بشكل منفصل فيما كان لكلٍ منها أبطالها، وأزماتها الخاصة. لذلك فإن كلا منها يتطلب سرداً خاصاً بها."
لكن الكاتبة أوضحت أن هذه الفقرة التي تبدو ملائمة لوصف واقع الحال في المنطقة العربية عام 2011 ما هي في الواقع إلا جزء من مقدمة أحد الكتب عن تاريخ الثورات الأوروبية في عام 1848.
وفي تعقيبه على هذه المقارنة، ذكر الباحث رزق لإذاعة العراق الحر أن "التحوّلات في العالم العربي عامةً والانتفاضات التي نتابعها في أكثر من قطر عربي مشابهة لما جرى قبل نحو مائتي عام مع بداية التحركات في العالم الأوروبي، وهذا يؤشر إلى أن العالم العربي في ظل العولمة وفي ظل وصول كل متطلبات الحياة الحديثة والتكنولوجيا والديمقراطية إليه..بدأ يعي حقيقة وجوده...وبدأ يأخذ منحى إيجابياً.........."
وفي إجابته عن سؤال آخر، أجرى رزق مقارنةً بين الاحتجاجات الشعبية الحالية في عام 2011 مع حركات الاستقلال التي شهدتها دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية في منتصف القرن الماضي.
مزيد من التفاصيل في الملف الصوتي الذي يتضمن مقابلتين مع الباحث في الشؤون الإستراتيجية د. عماد رزق، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد د. حميد فاضل.