ويظهر هذا الأمر واضحاً من خلال الإختلاف الكبير بين طريقيهما الشعريين. فوالدته شاعرة رقيقة مثل ورد البنفسج، وناعمة مثل أريج الياسمين، بينما هو شاعر مهموم، يحمل في صدره جبلاً من الحزن والأسى.
يقول مازن مبارك جودة عن مدى تأثره بشاعرية أمه لميعة عباس عمارة: ((لم اتأثر قط بشعر أمي على الرغم من شاعريتها العظيمة، فهي لها خطها الشعري الخاص، ولها لغتها الخاصة، وانا لي إسلوبي ولغتي أيضاً. فشِعر أمي شِعرٌ ينطق بلسان أمرأة. ومشاعر إمرأة. ورؤية إمرأة. وأنا شعري قادمٌ من عذابات رجل عاش محنة الظروف القاسية التي مرت عليه. فوالدي السياسي المعروف والمناضل الجسور مبارك جودة كان قد تعرض لمرارات السجن والمطاردة والتعذيب بسبب مواقفه السياسية الوطنية، حتى نال حكماً بالإعدام. فضلاً عن معاناتي الشخصية جراء الحادث المأساوي الذي تعرضت له في العراق عام 2003 أثناء عودتي اليه، إذ أصابني أحد الجنود الأمريكيين عن طريق الخطأ بإطلاقة نارية من بندقية آلية تسببت بفقدان بصري وإنعدام الرؤية لديَّ إنعداماً كاملاً وتاماً، ناهيك عن المآسي التي يعانيها بلدي الحبيب بسبب ظروف الإرهاب اللئيم، فينتابني شعور دائم بالأسى والوجع والعذاب، بحيث إنعكس سلباً على إسلوبي الشعري، وعلى لغتي الشعرية أيضاً)).
ويتذكر مازن مبارك جودة في حديثه لـ"مو بعيدين" سني طفولته وصباه، والمدارس التي درس فيها. كما يتذكر الكثير من زملائه ورفاقه في المدرسة، سواء أكانوا طلاباً مسلمين، أو مسيحيين، أو مندائيين، مشيراً الى أنه ولد عام 1954 في بيت جميل يقع على نهر دجلة الخالد في منطقة العيواضية، فكان هذا البيت كما يقول: ((يضج ويعج بالشعراء والصحفيين والفنانيين الكبار. لقد كان بيتنا بإختصار أشبه بالصالون الأدبي الذي تستقبل به والدتي المبدعين العراقيين بإستمرار. وهو أيضاً بيت سياسي، فكثيراً ماكان والدي المرحوم يستقبل فيه أصحابه ورفاقه المناضلين السياسيين. بخاصة في الظروف السياسية السلمية.. لذلك فإن ذاكرتي تحتفظ بصور وأسماء أغلب الوجوه الرائعة التي كانت تعطر صالون دارنا آنذاك، ولا أظن بأنها ستبرح يوماً وتغادر هذه الذاكرة)).
وعن الشخص الذي تأثر به كثيراً في حياته يقول مازن: ((إنه والدي. لقد تأثرت كثيراً بشخصيته دون غيره. ليس لأنه سياسي ومناضل فحسب، ولا لأنه مهندس ناجح، ومقاول كبير، كان قد أقام في العراق العشرات من المشاريع الكبيرة، وأنشأ الكثير من مباني المؤسسات فحسب أيضاً. إنما لأنه علمني الكثير من الدروس والعبر، فوضعني في أبهى الصور الوطنية قبل أن يرحل عن هذه الدنيا. لقد علمني كيف أحبُ العراق، وأعشقُ شعب العراق بكل أطيافه وألوانه. وأن لا أنحاز إلاَّ للعراقيين. هل تصدق لو قلت لك إن والدي مبارك جودة ـ وهو صابئي مندائي ـ كان قد شيَّد وبنى قبة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام الحالية عندما تهددَّت هذه القبة بالسقوط، فكان لوالدي شرف بنائها بناءً حديثاً زاهياً يليق بحجم صاحب هذه القبة المباركة. وهل تصدق لو قلت لك بأنه شيَّد أيضاً عشرات الجوامع والحسسينيات في مختلف أنحاء العراق؟ هذا هو والدي، ألا يستحق أن يكون مثالاً وقدوة لي؟))
وفي هذا الحديث الذي خصَّ به مازن جودة "مو بعيدين" تحدث عن القضية المطروحة الآن في الأوساط السياسية، وفي مواقع الأنترنيت العراقية، والمتعلقة بفكرة ترشيح أحدى الكفاءات العلمية الطبية الصابئية لمنصب وزير في الحكومة العراقية الجديدة، والمؤيدة من قبل رئيس الطائفة الصابئية الشيخ ستار جبار حلو، وعدد كبير من عموم المثقفين العراقيين الذين ينتمون لمختلف الأطياف، والتي تطلب ترشيح الدكتور المندائي جبار ياسر الحيدر لإشغال هذا المنصب الوزاري قائلاً: ((بعيداً عن فكرة المحاصصة الكريهة، فإني أظن أن العراقيين وقد تساووا من قبل في دفع الثمن الغالي أيام محنة النظام الدكتاتوري، ويتساوون اليوم أيضاً في محنة العذاب بمواجهتهم مفخخات الموت، وكواتم الإرهاب سوية، فإن لكل العراقيين الحق أيضاً في أن يتساووا في تحمل مسؤولية إدارة الحكومة، وبناء الدولة الديمقراطية الحديثة. وبناء على ذلك فإن للصابئيين حقاً وطنياً في أن يتساووا مع إخوتهم العراقيين من أبناء الطوائف الأخرى في تولي المناصب العليا.
فالكفاءات الصابئية كثيرة، والقدرات المندائية العالية لاتحصى، أمثال الدكتور جبار ياسر الحيدر. فهذا الرجل الصابئي العراقي، واحدٌ من أهم الشخصيات الوطنية المناضلة في العراق، وله تأريخ وطني حافل بالتضحية والشجاعة، كما إنه واحد من أبرز الكفاءات الطبية العلمية الأكاديمية، إضافة الى كونه جراحاً قديراً، إذ يكفي أنه أجرى أكثر من 25 ألف عملية جراحية كبرى ومتوسطة، كما عمل أكثر من نصف قرن طبيباً في مختلف أنحاء العراق، فلم تبق قرية نائية، أو مستوصف بعيد، أو مستشفى قريب إلاَّ وعمل فيه بكل أمانة وصدق وإخلاص، فضلاً عن قيامه بإنشاء وإدارة مستشفى الكندي، ومستشفى الفردوس، وقبل ذلك كان الرجل قد حصل على شهادات علمية كبرى من أبرز الجامعات العلمية البريطانية وغيرها. واليوم إذ يحتاج البلد لمثل هذه الشخصية الوطنية والعلمية والطبية الكبيرة، فإن على المسؤولين العراقيين أن يرحبوا بقدراته، ويفتحوا له الطريق لأداء واجبه الوطني، ليشارك في صنع المستقبل الحضاري لهذا البلد العزيز، بعيداً عن التحسس من إختلاف الدين، أو القومية، او الطائفة، مادام العراق خيمتنا الكبيرة الواسعة))
المزيد في الملف الصوتي
يقول مازن مبارك جودة عن مدى تأثره بشاعرية أمه لميعة عباس عمارة: ((لم اتأثر قط بشعر أمي على الرغم من شاعريتها العظيمة، فهي لها خطها الشعري الخاص، ولها لغتها الخاصة، وانا لي إسلوبي ولغتي أيضاً. فشِعر أمي شِعرٌ ينطق بلسان أمرأة. ومشاعر إمرأة. ورؤية إمرأة. وأنا شعري قادمٌ من عذابات رجل عاش محنة الظروف القاسية التي مرت عليه. فوالدي السياسي المعروف والمناضل الجسور مبارك جودة كان قد تعرض لمرارات السجن والمطاردة والتعذيب بسبب مواقفه السياسية الوطنية، حتى نال حكماً بالإعدام. فضلاً عن معاناتي الشخصية جراء الحادث المأساوي الذي تعرضت له في العراق عام 2003 أثناء عودتي اليه، إذ أصابني أحد الجنود الأمريكيين عن طريق الخطأ بإطلاقة نارية من بندقية آلية تسببت بفقدان بصري وإنعدام الرؤية لديَّ إنعداماً كاملاً وتاماً، ناهيك عن المآسي التي يعانيها بلدي الحبيب بسبب ظروف الإرهاب اللئيم، فينتابني شعور دائم بالأسى والوجع والعذاب، بحيث إنعكس سلباً على إسلوبي الشعري، وعلى لغتي الشعرية أيضاً)).
ويتذكر مازن مبارك جودة في حديثه لـ"مو بعيدين" سني طفولته وصباه، والمدارس التي درس فيها. كما يتذكر الكثير من زملائه ورفاقه في المدرسة، سواء أكانوا طلاباً مسلمين، أو مسيحيين، أو مندائيين، مشيراً الى أنه ولد عام 1954 في بيت جميل يقع على نهر دجلة الخالد في منطقة العيواضية، فكان هذا البيت كما يقول: ((يضج ويعج بالشعراء والصحفيين والفنانيين الكبار. لقد كان بيتنا بإختصار أشبه بالصالون الأدبي الذي تستقبل به والدتي المبدعين العراقيين بإستمرار. وهو أيضاً بيت سياسي، فكثيراً ماكان والدي المرحوم يستقبل فيه أصحابه ورفاقه المناضلين السياسيين. بخاصة في الظروف السياسية السلمية.. لذلك فإن ذاكرتي تحتفظ بصور وأسماء أغلب الوجوه الرائعة التي كانت تعطر صالون دارنا آنذاك، ولا أظن بأنها ستبرح يوماً وتغادر هذه الذاكرة)).
وعن الشخص الذي تأثر به كثيراً في حياته يقول مازن: ((إنه والدي. لقد تأثرت كثيراً بشخصيته دون غيره. ليس لأنه سياسي ومناضل فحسب، ولا لأنه مهندس ناجح، ومقاول كبير، كان قد أقام في العراق العشرات من المشاريع الكبيرة، وأنشأ الكثير من مباني المؤسسات فحسب أيضاً. إنما لأنه علمني الكثير من الدروس والعبر، فوضعني في أبهى الصور الوطنية قبل أن يرحل عن هذه الدنيا. لقد علمني كيف أحبُ العراق، وأعشقُ شعب العراق بكل أطيافه وألوانه. وأن لا أنحاز إلاَّ للعراقيين. هل تصدق لو قلت لك إن والدي مبارك جودة ـ وهو صابئي مندائي ـ كان قد شيَّد وبنى قبة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام الحالية عندما تهددَّت هذه القبة بالسقوط، فكان لوالدي شرف بنائها بناءً حديثاً زاهياً يليق بحجم صاحب هذه القبة المباركة. وهل تصدق لو قلت لك بأنه شيَّد أيضاً عشرات الجوامع والحسسينيات في مختلف أنحاء العراق؟ هذا هو والدي، ألا يستحق أن يكون مثالاً وقدوة لي؟))
وفي هذا الحديث الذي خصَّ به مازن جودة "مو بعيدين" تحدث عن القضية المطروحة الآن في الأوساط السياسية، وفي مواقع الأنترنيت العراقية، والمتعلقة بفكرة ترشيح أحدى الكفاءات العلمية الطبية الصابئية لمنصب وزير في الحكومة العراقية الجديدة، والمؤيدة من قبل رئيس الطائفة الصابئية الشيخ ستار جبار حلو، وعدد كبير من عموم المثقفين العراقيين الذين ينتمون لمختلف الأطياف، والتي تطلب ترشيح الدكتور المندائي جبار ياسر الحيدر لإشغال هذا المنصب الوزاري قائلاً: ((بعيداً عن فكرة المحاصصة الكريهة، فإني أظن أن العراقيين وقد تساووا من قبل في دفع الثمن الغالي أيام محنة النظام الدكتاتوري، ويتساوون اليوم أيضاً في محنة العذاب بمواجهتهم مفخخات الموت، وكواتم الإرهاب سوية، فإن لكل العراقيين الحق أيضاً في أن يتساووا في تحمل مسؤولية إدارة الحكومة، وبناء الدولة الديمقراطية الحديثة. وبناء على ذلك فإن للصابئيين حقاً وطنياً في أن يتساووا مع إخوتهم العراقيين من أبناء الطوائف الأخرى في تولي المناصب العليا.
فالكفاءات الصابئية كثيرة، والقدرات المندائية العالية لاتحصى، أمثال الدكتور جبار ياسر الحيدر. فهذا الرجل الصابئي العراقي، واحدٌ من أهم الشخصيات الوطنية المناضلة في العراق، وله تأريخ وطني حافل بالتضحية والشجاعة، كما إنه واحد من أبرز الكفاءات الطبية العلمية الأكاديمية، إضافة الى كونه جراحاً قديراً، إذ يكفي أنه أجرى أكثر من 25 ألف عملية جراحية كبرى ومتوسطة، كما عمل أكثر من نصف قرن طبيباً في مختلف أنحاء العراق، فلم تبق قرية نائية، أو مستوصف بعيد، أو مستشفى قريب إلاَّ وعمل فيه بكل أمانة وصدق وإخلاص، فضلاً عن قيامه بإنشاء وإدارة مستشفى الكندي، ومستشفى الفردوس، وقبل ذلك كان الرجل قد حصل على شهادات علمية كبرى من أبرز الجامعات العلمية البريطانية وغيرها. واليوم إذ يحتاج البلد لمثل هذه الشخصية الوطنية والعلمية والطبية الكبيرة، فإن على المسؤولين العراقيين أن يرحبوا بقدراته، ويفتحوا له الطريق لأداء واجبه الوطني، ليشارك في صنع المستقبل الحضاري لهذا البلد العزيز، بعيداً عن التحسس من إختلاف الدين، أو القومية، او الطائفة، مادام العراق خيمتنا الكبيرة الواسعة))
المزيد في الملف الصوتي