حول واحد من بين سبعة وثلاثين مؤلفاً عن بعض عطاء وحياة ابن الفراتين تضمها مكتبة مركز الجواهري في براغ، لأدباء وونقاد ومؤرخين عراقيين وعرب، صدرت في العقود الخمسة الماضية، تجيء هذه الحلقة لتتحدث عن كتاب نزعم أن فيه تميزاً في نواحٍ عديدة... ولاشك فإن علينا تبيان ذلك التميز، لكي نبرر أسبقية الاختيار...
... وذلك المؤلَف الذي نعني يحمل عنوان "الجواهري مجمع الأضداد"، لكاتب وباحث فلسطيني وقور، من مدينة حيفا، هو د. سليمان جبران، وقد صدر في طبعة أولى عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر اللبنانية عام 2003... وللمؤلف بعد هذا الكتاب، وقبله، دراسات وبحوث عديدة في مختلف قضايا الشعر والشعراء، والأدب العربي عموماً، وجميعها يشهد لها بالكفاءة والمستوى الأكاديمي الرفيع...
يشمل المؤلف موضوع هذه الحلقة ثلاثة فصول رئيسية بحسب بعض اللغويين، أو رئيسة بحسب بعض آخر، موزعة هي الأخرى على محاور متعددة، في بطون ثلاثمئة صفحة من القطع الكبير تتداخل فيها، وخلالها، محطات في تاريخ الجواهري ، وقراءات من شعره ومواقف نقدية، وتطبيقية، واستنتاجات وخلاصات جهد المؤلف أن تكون واضحة وموضوعية، وبمنهجية ملموسة... وقد شملت مقتطفات من قصائد عدة، ومن بينها قصيدة المحرقة المنشورة عام 1931 والتي تقول مقدمتها:
احاول خرقاً في الحياة وما اجرا ، وآسف ان امضي ولم ابق ِ لي ذكرا
ويؤلمني فرطُ افتكاري بأنني، سأذهب لا نفعاً جلبت ولا ضُرا
مضت حجج عشر ونفسي كأنها، من الغيظ سيل سُد في وجهه مجرى
خبرت بها ما لو تخلدت بعدَه ، لما ازددت علماً بالحياة ولا خُبرا
وابصرتُ ما اهوى على مثله العمى واسمعتُ ما اهوى على مثله الوقرا
وقد ابقت البلوى على الوجه طابعاً ، وخلفت الشحناء في كبدي نغرا
الم ترني من فرط شك وريبة ، أرى الناس حتى صاحبي نظراً شزرا
اقول اضطراراً قد صبرت على الأذى ، على انني لا اعرف الحر مضطرا
وما انت بالمعطي التمرد حقه ، اذا كنت تخشى أن تجوع ، وان تعرى
وعدا ذلك، وغيره، جاءت مقدمة الكتاب جامعة في تكييف وعي القاريء وتهيئته، وهو على أبواب "مجمع الأضداد" في حياة وشعر الجواهري، بما له، وعليه. وجاء في خاتمة تقديم المؤلف د. جبران:
"برغم اعجابنا الذي لا يخفى بشاعرية الجواهري، حاولنا تناول سيرته وشعره بموضوعية وتجرد، وعسى أن تساهم هذه الدراسة في التعريف بتلك الشاعرية الفذة، ومكانتها في تاريخ الشعر المعاصر".
... ترى هل وفق هذا الإيجاز في تبرير أسبقية اختيار مؤلف "مجمع الأضداد" للحديث عنه أولاً، وبما لا يثير عتاب أساتذة، وأصدقاء وزملاء وغيرهم؟!... نتمنى ذلك، وسنتابع بالتأكيد الحديث، في مناسبات لاحقة عن مؤلفات متميزة أخرى عن الجواهري، لكتاب وباحثين معروفين ومرموقين، متنوعي الاتجاهات والتوجهات والمناهج، ولكل منها أسلوبه وطبيعته وأهدافه... ولربما نعرج في حينها لننقل أيضاً لمحات من انطباعات الشاعر الخالد عن بعض تلكم المؤلفات، بل وحتى شيئاً من آرائه بأصحابها، القاسية أحياناً حد الاتهام بالدوافع التي كانت وراء اصدارها، وفقاً لتصوراته وتقييماته الخاصة على الأقل... وقد تحدث بها لنا، ولشهود عيان مقربين، بل وعلناً عن قسم آخر منها... ولسان حاله يقول:
يا نديمي امس اقتنصت طريداً، شاعراً كان يستضيف البيدا
كان هماً ، وكان صُلباً حديدا ، يملاً القفر موحشاً ، تغريدا
قلت من ؟ قال شرط أن لا تزيدا ، أنا أدعى : مسافراً ويزيدا
من بلاد ٍ أعدت على القرودا ، ونفتني ، وكنت فيها النشيدا
* * *
وتولى عني، فظلت مليا ، في قرود ٍ مفكر ، ونشيد ِ
وعلى انه أجاد الرويّا ، لم أجد في رَويِّه ِ من جديدِ
كان قلباً غضاً ، وفكراً طريا ،شاءه الحظُ في مزاحف دود
كل طير "مسافرُ بنُ يزيدِ" ، حين يغدو فريسة ً لقرود ِ
بقى ان نوثق أيضاً ان د. جبران قد حط في براغ قبل نحو عامين زائراً، وليطلع على بعض محطات في حياة الجواهري في عاصمة بلاد التشيك، التي أطالت الشوط من عمر شاعرنا بحسب قصيده... وقد نظمت للزائر الجليل ندوة عامة تحدث فيها عن مؤلفه "مجمع الأضداد" موضوع هذه الحلقة، وعن شؤون ٍ وقضايا ثقافية وأدبية كانت محط اهتمام كبير من الحاضرين...
المزيد في الملف الصوتي المرفق
ألجواهري ... إيقاعات ورؤى
برنامج خاص عن محطات ومواقف فكرية واجتماعية ووطنية في حياة شاعر العراق والعرب الأكبر... مع مقتطفات لبعض قصائده التي تذاع بصوته لأول مرة... وثـّـقـهـا ويعرضها: رواء الجصاني، رئيس مركز ألجواهري الثقافي في براغ... يخرجها في حلقات أسبوعية ديار بامرني.
... وذلك المؤلَف الذي نعني يحمل عنوان "الجواهري مجمع الأضداد"، لكاتب وباحث فلسطيني وقور، من مدينة حيفا، هو د. سليمان جبران، وقد صدر في طبعة أولى عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر اللبنانية عام 2003... وللمؤلف بعد هذا الكتاب، وقبله، دراسات وبحوث عديدة في مختلف قضايا الشعر والشعراء، والأدب العربي عموماً، وجميعها يشهد لها بالكفاءة والمستوى الأكاديمي الرفيع...
يشمل المؤلف موضوع هذه الحلقة ثلاثة فصول رئيسية بحسب بعض اللغويين، أو رئيسة بحسب بعض آخر، موزعة هي الأخرى على محاور متعددة، في بطون ثلاثمئة صفحة من القطع الكبير تتداخل فيها، وخلالها، محطات في تاريخ الجواهري ، وقراءات من شعره ومواقف نقدية، وتطبيقية، واستنتاجات وخلاصات جهد المؤلف أن تكون واضحة وموضوعية، وبمنهجية ملموسة... وقد شملت مقتطفات من قصائد عدة، ومن بينها قصيدة المحرقة المنشورة عام 1931 والتي تقول مقدمتها:
احاول خرقاً في الحياة وما اجرا ، وآسف ان امضي ولم ابق ِ لي ذكرا
ويؤلمني فرطُ افتكاري بأنني، سأذهب لا نفعاً جلبت ولا ضُرا
مضت حجج عشر ونفسي كأنها، من الغيظ سيل سُد في وجهه مجرى
خبرت بها ما لو تخلدت بعدَه ، لما ازددت علماً بالحياة ولا خُبرا
وابصرتُ ما اهوى على مثله العمى واسمعتُ ما اهوى على مثله الوقرا
وقد ابقت البلوى على الوجه طابعاً ، وخلفت الشحناء في كبدي نغرا
الم ترني من فرط شك وريبة ، أرى الناس حتى صاحبي نظراً شزرا
اقول اضطراراً قد صبرت على الأذى ، على انني لا اعرف الحر مضطرا
وما انت بالمعطي التمرد حقه ، اذا كنت تخشى أن تجوع ، وان تعرى
وعدا ذلك، وغيره، جاءت مقدمة الكتاب جامعة في تكييف وعي القاريء وتهيئته، وهو على أبواب "مجمع الأضداد" في حياة وشعر الجواهري، بما له، وعليه. وجاء في خاتمة تقديم المؤلف د. جبران:
"برغم اعجابنا الذي لا يخفى بشاعرية الجواهري، حاولنا تناول سيرته وشعره بموضوعية وتجرد، وعسى أن تساهم هذه الدراسة في التعريف بتلك الشاعرية الفذة، ومكانتها في تاريخ الشعر المعاصر".
... ترى هل وفق هذا الإيجاز في تبرير أسبقية اختيار مؤلف "مجمع الأضداد" للحديث عنه أولاً، وبما لا يثير عتاب أساتذة، وأصدقاء وزملاء وغيرهم؟!... نتمنى ذلك، وسنتابع بالتأكيد الحديث، في مناسبات لاحقة عن مؤلفات متميزة أخرى عن الجواهري، لكتاب وباحثين معروفين ومرموقين، متنوعي الاتجاهات والتوجهات والمناهج، ولكل منها أسلوبه وطبيعته وأهدافه... ولربما نعرج في حينها لننقل أيضاً لمحات من انطباعات الشاعر الخالد عن بعض تلكم المؤلفات، بل وحتى شيئاً من آرائه بأصحابها، القاسية أحياناً حد الاتهام بالدوافع التي كانت وراء اصدارها، وفقاً لتصوراته وتقييماته الخاصة على الأقل... وقد تحدث بها لنا، ولشهود عيان مقربين، بل وعلناً عن قسم آخر منها... ولسان حاله يقول:
يا نديمي امس اقتنصت طريداً، شاعراً كان يستضيف البيدا
كان هماً ، وكان صُلباً حديدا ، يملاً القفر موحشاً ، تغريدا
قلت من ؟ قال شرط أن لا تزيدا ، أنا أدعى : مسافراً ويزيدا
من بلاد ٍ أعدت على القرودا ، ونفتني ، وكنت فيها النشيدا
* * *
وتولى عني، فظلت مليا ، في قرود ٍ مفكر ، ونشيد ِ
وعلى انه أجاد الرويّا ، لم أجد في رَويِّه ِ من جديدِ
كان قلباً غضاً ، وفكراً طريا ،شاءه الحظُ في مزاحف دود
كل طير "مسافرُ بنُ يزيدِ" ، حين يغدو فريسة ً لقرود ِ
بقى ان نوثق أيضاً ان د. جبران قد حط في براغ قبل نحو عامين زائراً، وليطلع على بعض محطات في حياة الجواهري في عاصمة بلاد التشيك، التي أطالت الشوط من عمر شاعرنا بحسب قصيده... وقد نظمت للزائر الجليل ندوة عامة تحدث فيها عن مؤلفه "مجمع الأضداد" موضوع هذه الحلقة، وعن شؤون ٍ وقضايا ثقافية وأدبية كانت محط اهتمام كبير من الحاضرين...
المزيد في الملف الصوتي المرفق
ألجواهري ... إيقاعات ورؤى
برنامج خاص عن محطات ومواقف فكرية واجتماعية ووطنية في حياة شاعر العراق والعرب الأكبر... مع مقتطفات لبعض قصائده التي تذاع بصوته لأول مرة... وثـّـقـهـا ويعرضها: رواء الجصاني، رئيس مركز ألجواهري الثقافي في براغ... يخرجها في حلقات أسبوعية ديار بامرني.