مواجهات وخصومات ولواعج بشكل شبه دائم من الحياة والمجتمع والسلوكيات والمواقف الثقافية السياسية، وغيرهن كثير، وسمت ديوان الجواهري، على مدى سبعة عقود... ونزعم ان في الغالب الأعم من قصيده الوطني والسياسي والوجداني، ثمة وقفة، أو محطة، أو بيت قصيد، يشير ويوثق لتلكم الحال، التي ما برحت ترافق الشاعر العظيم حتى أعوامه الأخيرة...
وإذ جاء العديد من قصائده مكرس بالكامل لما نحن بصدد التوثيق عنه، من لواعج وهموم عاشها، أو اعتقدها، الجواهري، حفل عديد آخر، بصراحة حيناً، أو تلميحاً احيانا اخرى، عن غدر ٍ تعرض له، أو هضيمة لحقت به، أو واقعة مؤذية مرت عليه...
أنا عندي من الأسى جبل ... يتمشى معي وينتقلُ
أنا عندي وإن خبا أمل ... جذوة في الفؤاد تشتعل
أيه يا احبولة الفكر ... كما هفا طير ولم يطرِ
وسألت الجـواهـري ذات ليلـة من عام 1985 في بـراغ، وكان فيهـا مهموماً - كالعادة – ومستفزاً من مواقف محبين وأصدقاء وخلافهم: انك لا تشبع من النقد والانتقاد والتألم والهضيمة، ولا تكفّ عن الشكوى والتخاصم والمواجهات وتلك هي اشعارك الدليل الأبلغ...
فأجاب عاصفاً: وماذا يراد مني، أقل من ان أواجه عشرات التجاوزات ببضعة أبيات فحسب؟ فهل ذلك كثير على المتطاولين؟
... ثم أنهى الحوار السريع، وهو يغلي، ليسمعني في اليوم التالي مطلع قصيدة جديدة أكملها بعد أيام رداً على بعض ما حسبه تجاوزاً وكان أول أبياتها:
وقائلة أأنت تُسب جهراً ، ألست محج شبان ٍ وشيب
ألست خليفة الأدب المصفى ألست منارة البلد السليب
أيسرح شاتموك بلا حسيب، وتنبذ في العراء بلا رقيب
فيا لمؤله ٍ فذ ٍ غريبٌ ، ويا لتعاسة البلد العجيب
وكما أسلفنا، لم تكن حالات الجواهري الناقده، ولواعجه وهمومه، المعبرُ عنها في عشرات القصائد لتقف عند حدود: سياسية او اجتماعية او وجدانية... بل كان الغضب العارم يشمل أحياناً كل أهل البلاد، وهو غضب المحبين بالطبع، بهدف الاثارة الانهاض، والتحريض الشمولي العام.
أقول اضطراراً قد صبرت على الأذى، على انني لا أعرف الحر مضطرا
وليس بحر من اذا رام غاية، تخوف ان ترمي به مسلكا وعرا
وما أنت بالمعطي التمرد حقه، إذا كنت تخشى ان تجوع، وان تعرى
ولغرض التأشير ليس إلا، نقول: ان الديوان العامر، ذا الأكثر من خمسة وعشرين ألف بيت، ينبئنا بأن الجواهري قد نظم ونشر تلكم القصائد الغاضبة، الباثة للهموم واللواعج منذ انطلاقته الشعرية في عشرينات القرن الماضي، ومنها: الليل والشاعر، الشاعر المقبور، شكوى وآمال... وهكذا دامت الحال عقوداً وعقود، حتى التسعينات، ولربما حتى قبيل رحيله عام 1997 بأعوام قليلة، ونستشهد حول ذلك بقصائده "ماذا أغني" (1981) و"يا ابن الثمانين" (1982) و"صاح قلها ولا تخف (1987).
بماذا يخوفني الأرذلون ، وممن تخاف صلال الفلا
أيسلب منها نعيم الهجير، ونفح الرمال وبذخ العرا
بلى ! ان عندي خوف الشجاع ، وطيش الحليم، وموت الردى
متى شئت أنضجت نضج الشواء، جلوداً تعاصت فما تشتوى
أخيراً دعونا نثبت هنا ان ثمة الكثير مما يُفترض، بل ويجب ان يرصد ويوثق، عن هموم ولواعج الجواهري، ليس بدوافع التأرخة للشاعر الكبير فقط، بل لأن الأمر يعني تأرخة لواقع مجتمع وبلاد وشخصيات وإطارات سياسية وثقافية... وما بينها كثير ومتعدد...
المزيد في الملف الصوتي المرفق
الجواهري ... إيقاعات ورؤى
برنامج خاص عن محطات ومواقف فكرية واجتماعية ووطنية في حياة شاعر العراق والعرب الأكبر... مع مقتطفات لبعض قصائده التي تذاع بصوته لأول مرة... وثـّـقـهـا ويعرضها: رواء الجصاني، رئيس مركز ألجواهري الثقافي في براغ…. ويخرجها في حلقات أسبوعية ديار بامرني...
www.jawahiri.com
وإذ جاء العديد من قصائده مكرس بالكامل لما نحن بصدد التوثيق عنه، من لواعج وهموم عاشها، أو اعتقدها، الجواهري، حفل عديد آخر، بصراحة حيناً، أو تلميحاً احيانا اخرى، عن غدر ٍ تعرض له، أو هضيمة لحقت به، أو واقعة مؤذية مرت عليه...
أنا عندي من الأسى جبل ... يتمشى معي وينتقلُ
أنا عندي وإن خبا أمل ... جذوة في الفؤاد تشتعل
أيه يا احبولة الفكر ... كما هفا طير ولم يطرِ
وسألت الجـواهـري ذات ليلـة من عام 1985 في بـراغ، وكان فيهـا مهموماً - كالعادة – ومستفزاً من مواقف محبين وأصدقاء وخلافهم: انك لا تشبع من النقد والانتقاد والتألم والهضيمة، ولا تكفّ عن الشكوى والتخاصم والمواجهات وتلك هي اشعارك الدليل الأبلغ...
فأجاب عاصفاً: وماذا يراد مني، أقل من ان أواجه عشرات التجاوزات ببضعة أبيات فحسب؟ فهل ذلك كثير على المتطاولين؟
... ثم أنهى الحوار السريع، وهو يغلي، ليسمعني في اليوم التالي مطلع قصيدة جديدة أكملها بعد أيام رداً على بعض ما حسبه تجاوزاً وكان أول أبياتها:
وقائلة أأنت تُسب جهراً ، ألست محج شبان ٍ وشيب
ألست خليفة الأدب المصفى ألست منارة البلد السليب
أيسرح شاتموك بلا حسيب، وتنبذ في العراء بلا رقيب
فيا لمؤله ٍ فذ ٍ غريبٌ ، ويا لتعاسة البلد العجيب
وكما أسلفنا، لم تكن حالات الجواهري الناقده، ولواعجه وهمومه، المعبرُ عنها في عشرات القصائد لتقف عند حدود: سياسية او اجتماعية او وجدانية... بل كان الغضب العارم يشمل أحياناً كل أهل البلاد، وهو غضب المحبين بالطبع، بهدف الاثارة الانهاض، والتحريض الشمولي العام.
أقول اضطراراً قد صبرت على الأذى، على انني لا أعرف الحر مضطرا
وليس بحر من اذا رام غاية، تخوف ان ترمي به مسلكا وعرا
وما أنت بالمعطي التمرد حقه، إذا كنت تخشى ان تجوع، وان تعرى
ولغرض التأشير ليس إلا، نقول: ان الديوان العامر، ذا الأكثر من خمسة وعشرين ألف بيت، ينبئنا بأن الجواهري قد نظم ونشر تلكم القصائد الغاضبة، الباثة للهموم واللواعج منذ انطلاقته الشعرية في عشرينات القرن الماضي، ومنها: الليل والشاعر، الشاعر المقبور، شكوى وآمال... وهكذا دامت الحال عقوداً وعقود، حتى التسعينات، ولربما حتى قبيل رحيله عام 1997 بأعوام قليلة، ونستشهد حول ذلك بقصائده "ماذا أغني" (1981) و"يا ابن الثمانين" (1982) و"صاح قلها ولا تخف (1987).
بماذا يخوفني الأرذلون ، وممن تخاف صلال الفلا
أيسلب منها نعيم الهجير، ونفح الرمال وبذخ العرا
بلى ! ان عندي خوف الشجاع ، وطيش الحليم، وموت الردى
متى شئت أنضجت نضج الشواء، جلوداً تعاصت فما تشتوى
أخيراً دعونا نثبت هنا ان ثمة الكثير مما يُفترض، بل ويجب ان يرصد ويوثق، عن هموم ولواعج الجواهري، ليس بدوافع التأرخة للشاعر الكبير فقط، بل لأن الأمر يعني تأرخة لواقع مجتمع وبلاد وشخصيات وإطارات سياسية وثقافية... وما بينها كثير ومتعدد...
المزيد في الملف الصوتي المرفق
الجواهري ... إيقاعات ورؤى
برنامج خاص عن محطات ومواقف فكرية واجتماعية ووطنية في حياة شاعر العراق والعرب الأكبر... مع مقتطفات لبعض قصائده التي تذاع بصوته لأول مرة... وثـّـقـهـا ويعرضها: رواء الجصاني، رئيس مركز ألجواهري الثقافي في براغ…. ويخرجها في حلقات أسبوعية ديار بامرني...
www.jawahiri.com