تبدو مظاهر الجوع في دولة غنية بمواردها الزراعية والطبيعية الأخرى كالعراق من المفارقات العصية على الفهم سيما وأن صادراتها النفطية تدرّ عشرات مليارات الدولارات سنوياً.
لكن إحصاءاتٍ رسميةً تظهر أن واحداً من كل أربعة أشخاص في العراق، أي نحو سبعة ملايين فرد، يعيش تحت خط الفقر. وثمة مليون إنسان من هؤلاء ممن "لا يحصلون، ربما، إلا على وجبة واحدة في اليوم، أما الباقون فإن البطاقة التموينية هي مصدرهم الوحيد في الحصول على الغذاء"، بحسب ما ورَد في أحدث مقال عن هذه الظاهرة الدالة على تناقض واضح في دولةٍ تُصنّف بأنها "غنية" وفقاً لمؤشرات الدخل القومي.
وفي المقال المنشور في صحيفة (الشرق الأوسط) اللندنية السبت الثامن من أيار تحت عنوان (العراق: سنوات الجوع)، يصف الدكتور حسن الجنابي سفير العراق لدى منظمات الغذاء التابعة للأمم المتحدة في روما هذا الأمر بأنه "محزن" إذ "مَن ينظر إلى خارطة انتشار الفقر في العالم يرى أن العدد الأكبر من الفقراء يتركز في دول ومناطق تتميز بانعدام الثروات الطبيعية، وهي عرضة للجفاف والكوارث في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، أما فقراء العراق فيعيشون في بلد الثراء والأرض الخصبة، حيث يتم تصدير مليونيْ برميل نفط يومياً، وحيث تزيد ميزانية البلاد، لهذا العام على سبيل المثال، على 70 مليار دولار، من دون احتساب الموارد الأخيرة التي أتيحت من البنك الدولي".
الجنابي يعزو الوضع الحالي إلى المآسي التي مرّت بها البلاد خلال العقود الثلاثة الماضية باعتباره تراكما لشروط سابقة. لكنه يشير إلى بروز ما يصفها بـ"مؤشرات متناقضة" منذ عام 2003 "يصعب معها أحياناً إيجاد تفسير مقنع عن سبب تفشي الجوع، وسوء التغذية في العراق
بصورة تزيد على المعدل العالمي. فقد صُرفت مبالغ كبيرة سواء من موارد وطنية عراقية أو من الدول المانحة، ونُفّذت مشاريع كثيرة... وتوفّرت فرص للاستثمار الخاص، وانتعشت أسعار النفط، وأُطلقت مبادرات لدعم القطاع الزراعي، وأثرى الكثير من الناس.. وتحسّنت الرواتب بعشرات بل ومئات المرات .... وأنشئ ما يزيد على الثلاثين مصرفا أهليا.. وازدهرت حركة السفر من وإلى العراق.... وغير ذلك الكثير، ولكن الفقر ما زال متفشياً."
ولمزيدٍ من التفاصيل عن إستراتيجية توفير الأمن الغذائي للعراقيين، أجريتُ مقابلة عبر الهاتف مع سفير العراق لدى منظمات الغذاء التابعة للأمم المتحدة في روما الذي تحدث لإذاعة العراق الحر عن تفاقم آفة الجوع في ظل الحروب التي خاضها النظام السابق وما تلاها من عقوبات اقتصادية دولية.
الجنابي أشار أيضاً إلى المسوحات التي أُجريت في العراق خلال الأعوام 2003 و2005 وأواخر 2008 معرباً عن اعتقاده بأن الوضع "تحسّن قليلا". ففي المسح الذي أُجري بمشاركة الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي العراقية، قُدّر عدد الأفراد المصنّفين تحت خط الفقر في عام 2005 بأكثر من اثني عشر مليون شخص في حين أشار المسح الذي أجري في عام 2008 إلى تناقص العدد إلى سبعة ملايين شخص.
المقالُ ذكر أن عدة مؤسسات متخصصة تابعة للأمم المتحدة كمنظمة (يونيسف) أعلنت خروج العراق من دائرة الدول الواقعة تحت برامج الطوارئ نظراً لتقدم إمكاناته المادية ومؤشرات استقراره ونمو اقتصاده. فيما طوّرت منظمة الأغذية والزراعة (فاو) استراتيجيتها في العراق "للانتقال من حالة برامج الطوارئ إلى حالة الدعم التنموي لنفس الأسباب، ولقدرة العراق على تمويل مشاريعه بنفسه، أو الإسهام في تمويل تلك المشاريع إلى جانب المؤسسات الدولية المانحة."
وأشار سفير العراق لدى منظمات الغذاء التابعة للأمم المتحدة إلى الخطة الإستراتيجية التي أطلقتها الحكومة العراقية قبل عدة شهور للتخفيف من الفقر معلنةً التزامها بتخفيض عدد الفقراء العراقيين إلى خمسة ملايين مواطن، من سبعة ملايين حالياً، وذلك بحلول نهاية عام 2014.
وفي إجابته عن سؤال يتعلق بهذه الإستراتيجية، قال الجنابي لإذاعة العراق الحر إنه لا يمكن الآن تقييم مدى فاعليتها لكونها أُطلقت منذ بضعة شهور فقط.
ولكن، في ملاحظاته على الخطة، أعرب عن اعتقاده بأنه ينبغي على الإستراتيجية ألا تهدف إلى تخفيف الفقر فقط بَل القضاء عليه نهائياً. وأضاف أن مثل هذا الهدف الطموح لا يمكن تحقيقه بحلول نهاية عام 2014 بل يتطلب فترة لا تقل عن عشر سنوات "إذا ما توفرت الموارد والإرادة الكاملة لهذه العملية."
ومن الملاحظات الأخرى التي تضمنها المقال ما يتعلق بالبطاقة التموينية. ففي هذا الصدد، ذكر الجنابي أنه على الرغم من أن هذه البطاقة تعد من الوسائل الناجعة لمواجهة الجوع والفقر "مرحلياً" إلا أنها لا تدحَر هاتين الآفتين "دحراً نهائياً". ذلك أن هذا النوع من الدعم المباشر للمواطن "مشروط بظروف محددة، أهمها وفرة العائدات المادية - من النفط الذي يشكّل أكثر من 90% من الخزينة في حالة العراق - فهو لذلك يبقى هشاً وخاضعاً لمدى استقرار السوق النفطية، إذ لا توجد وسيلة أخرى متاحة للحكومة لتسديد فاتورة البطاقة التموينية، التي تزيد على أربعة مليارات دولار سنوياً."
الجنابي يرى أيضاً أنه ينبغي على الاستراتيجية الناجحة لدحر الفقر والجوع بشكل نهائي أن تسعى نحو توفير "شروط التنمية الاقتصادية القادرة على خلق فرص عمل للمواطنين وإتاحة الفرصة للقطاع الخاص للنمو والاستثمار، وتشغيل الأيدي العاملة، وتأهيل المواطنين حرفياً ومهنياً، وتشجيعهم ودعمهم للعمل والمبادرة بدلا من ثقافة انتظار الهبات والعطايا أو التشغيل في إحدى المؤسسات الحكومية".
وفي إجابته عن سؤال يتعلق بالخطوات العمَلية التي يمكن أن تُسهم في دحر آفتيْ الفقر والجوع "نهائياً"، قال الجنابي لإذاعة العراق الحر إن البلاد لا تنقصها الموارد اللازمة لتحقيق الأمن الغذائي مضيفاً أن المسألة "لا تحصل بإرادة سياسية فقط بل بإجراءات متكاملة يكمّل بعضها الآخر، تبدأ بتوفير الموارد المالية وتتنهي بتعزيز الاقتصاد والاستثمار وخلق النمو الاقتصادي الذي يتيح فرص عمل للمواطن."
الجنابي أعرب عن اعتقاده بأن الريف العراقي "هو الميدان الأول لمكافحة الفقر والجوع" مضيفاً أن "القضاء التام على هاتين الآفتين يتطلب أولاً زيادة الاستثمار في الزراعة لتحفيز الإنتاجية واستغلال إمكانات الزراعة في التنمية الاقتصادية وتعديل أسعار الغذاء والمحاصيل، وثانياً تعزيز شبكات الحماية والأمن الاجتماعي للمواطنين الفقراء."
وختَم سفير العراق لدى منظمات الغذاء التابعة للأمم المتحدة في روما حديثه لإذاعة العراق الحر بالإشارة إلى أهميةِ تعزيز إجراءاتٍ أطلقتها الحكومة العراقية، ومنها المبادرة الزراعية على سبيل المثال، مضيفاً أنه "لتحقيق الأمن الغذائي، يجب أن يُنتج العراق ما يكفيه من الغذاء. وإنْ لم يستطع أن ينتج ما يكفيه، يجب أن يكون لدى المواطن العراقي من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب القدرة على شراء هذا الغذاء."
مزيد من التفاصيل في الملف الصوتي الذي يتضمن مقابلة مع سفير العراق لدى منظمات الغذاء التابعة للأمم المتحدة في روما الدكتور حسن الجنابي.
لكن إحصاءاتٍ رسميةً تظهر أن واحداً من كل أربعة أشخاص في العراق، أي نحو سبعة ملايين فرد، يعيش تحت خط الفقر. وثمة مليون إنسان من هؤلاء ممن "لا يحصلون، ربما، إلا على وجبة واحدة في اليوم، أما الباقون فإن البطاقة التموينية هي مصدرهم الوحيد في الحصول على الغذاء"، بحسب ما ورَد في أحدث مقال عن هذه الظاهرة الدالة على تناقض واضح في دولةٍ تُصنّف بأنها "غنية" وفقاً لمؤشرات الدخل القومي.
وفي المقال المنشور في صحيفة (الشرق الأوسط) اللندنية السبت الثامن من أيار تحت عنوان (العراق: سنوات الجوع)، يصف الدكتور حسن الجنابي سفير العراق لدى منظمات الغذاء التابعة للأمم المتحدة في روما هذا الأمر بأنه "محزن" إذ "مَن ينظر إلى خارطة انتشار الفقر في العالم يرى أن العدد الأكبر من الفقراء يتركز في دول ومناطق تتميز بانعدام الثروات الطبيعية، وهي عرضة للجفاف والكوارث في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، أما فقراء العراق فيعيشون في بلد الثراء والأرض الخصبة، حيث يتم تصدير مليونيْ برميل نفط يومياً، وحيث تزيد ميزانية البلاد، لهذا العام على سبيل المثال، على 70 مليار دولار، من دون احتساب الموارد الأخيرة التي أتيحت من البنك الدولي".
الجنابي يعزو الوضع الحالي إلى المآسي التي مرّت بها البلاد خلال العقود الثلاثة الماضية باعتباره تراكما لشروط سابقة. لكنه يشير إلى بروز ما يصفها بـ"مؤشرات متناقضة" منذ عام 2003 "يصعب معها أحياناً إيجاد تفسير مقنع عن سبب تفشي الجوع، وسوء التغذية في العراق
بصورة تزيد على المعدل العالمي. فقد صُرفت مبالغ كبيرة سواء من موارد وطنية عراقية أو من الدول المانحة، ونُفّذت مشاريع كثيرة... وتوفّرت فرص للاستثمار الخاص، وانتعشت أسعار النفط، وأُطلقت مبادرات لدعم القطاع الزراعي، وأثرى الكثير من الناس.. وتحسّنت الرواتب بعشرات بل ومئات المرات .... وأنشئ ما يزيد على الثلاثين مصرفا أهليا.. وازدهرت حركة السفر من وإلى العراق.... وغير ذلك الكثير، ولكن الفقر ما زال متفشياً."
ولمزيدٍ من التفاصيل عن إستراتيجية توفير الأمن الغذائي للعراقيين، أجريتُ مقابلة عبر الهاتف مع سفير العراق لدى منظمات الغذاء التابعة للأمم المتحدة في روما الذي تحدث لإذاعة العراق الحر عن تفاقم آفة الجوع في ظل الحروب التي خاضها النظام السابق وما تلاها من عقوبات اقتصادية دولية.
الجنابي أشار أيضاً إلى المسوحات التي أُجريت في العراق خلال الأعوام 2003 و2005 وأواخر 2008 معرباً عن اعتقاده بأن الوضع "تحسّن قليلا". ففي المسح الذي أُجري بمشاركة الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي العراقية، قُدّر عدد الأفراد المصنّفين تحت خط الفقر في عام 2005 بأكثر من اثني عشر مليون شخص في حين أشار المسح الذي أجري في عام 2008 إلى تناقص العدد إلى سبعة ملايين شخص.
المقالُ ذكر أن عدة مؤسسات متخصصة تابعة للأمم المتحدة كمنظمة (يونيسف) أعلنت خروج العراق من دائرة الدول الواقعة تحت برامج الطوارئ نظراً لتقدم إمكاناته المادية ومؤشرات استقراره ونمو اقتصاده. فيما طوّرت منظمة الأغذية والزراعة (فاو) استراتيجيتها في العراق "للانتقال من حالة برامج الطوارئ إلى حالة الدعم التنموي لنفس الأسباب، ولقدرة العراق على تمويل مشاريعه بنفسه، أو الإسهام في تمويل تلك المشاريع إلى جانب المؤسسات الدولية المانحة."
وأشار سفير العراق لدى منظمات الغذاء التابعة للأمم المتحدة إلى الخطة الإستراتيجية التي أطلقتها الحكومة العراقية قبل عدة شهور للتخفيف من الفقر معلنةً التزامها بتخفيض عدد الفقراء العراقيين إلى خمسة ملايين مواطن، من سبعة ملايين حالياً، وذلك بحلول نهاية عام 2014.
وفي إجابته عن سؤال يتعلق بهذه الإستراتيجية، قال الجنابي لإذاعة العراق الحر إنه لا يمكن الآن تقييم مدى فاعليتها لكونها أُطلقت منذ بضعة شهور فقط.
ولكن، في ملاحظاته على الخطة، أعرب عن اعتقاده بأنه ينبغي على الإستراتيجية ألا تهدف إلى تخفيف الفقر فقط بَل القضاء عليه نهائياً. وأضاف أن مثل هذا الهدف الطموح لا يمكن تحقيقه بحلول نهاية عام 2014 بل يتطلب فترة لا تقل عن عشر سنوات "إذا ما توفرت الموارد والإرادة الكاملة لهذه العملية."
ومن الملاحظات الأخرى التي تضمنها المقال ما يتعلق بالبطاقة التموينية. ففي هذا الصدد، ذكر الجنابي أنه على الرغم من أن هذه البطاقة تعد من الوسائل الناجعة لمواجهة الجوع والفقر "مرحلياً" إلا أنها لا تدحَر هاتين الآفتين "دحراً نهائياً". ذلك أن هذا النوع من الدعم المباشر للمواطن "مشروط بظروف محددة، أهمها وفرة العائدات المادية - من النفط الذي يشكّل أكثر من 90% من الخزينة في حالة العراق - فهو لذلك يبقى هشاً وخاضعاً لمدى استقرار السوق النفطية، إذ لا توجد وسيلة أخرى متاحة للحكومة لتسديد فاتورة البطاقة التموينية، التي تزيد على أربعة مليارات دولار سنوياً."
الجنابي يرى أيضاً أنه ينبغي على الاستراتيجية الناجحة لدحر الفقر والجوع بشكل نهائي أن تسعى نحو توفير "شروط التنمية الاقتصادية القادرة على خلق فرص عمل للمواطنين وإتاحة الفرصة للقطاع الخاص للنمو والاستثمار، وتشغيل الأيدي العاملة، وتأهيل المواطنين حرفياً ومهنياً، وتشجيعهم ودعمهم للعمل والمبادرة بدلا من ثقافة انتظار الهبات والعطايا أو التشغيل في إحدى المؤسسات الحكومية".
وفي إجابته عن سؤال يتعلق بالخطوات العمَلية التي يمكن أن تُسهم في دحر آفتيْ الفقر والجوع "نهائياً"، قال الجنابي لإذاعة العراق الحر إن البلاد لا تنقصها الموارد اللازمة لتحقيق الأمن الغذائي مضيفاً أن المسألة "لا تحصل بإرادة سياسية فقط بل بإجراءات متكاملة يكمّل بعضها الآخر، تبدأ بتوفير الموارد المالية وتتنهي بتعزيز الاقتصاد والاستثمار وخلق النمو الاقتصادي الذي يتيح فرص عمل للمواطن."
الجنابي أعرب عن اعتقاده بأن الريف العراقي "هو الميدان الأول لمكافحة الفقر والجوع" مضيفاً أن "القضاء التام على هاتين الآفتين يتطلب أولاً زيادة الاستثمار في الزراعة لتحفيز الإنتاجية واستغلال إمكانات الزراعة في التنمية الاقتصادية وتعديل أسعار الغذاء والمحاصيل، وثانياً تعزيز شبكات الحماية والأمن الاجتماعي للمواطنين الفقراء."
وختَم سفير العراق لدى منظمات الغذاء التابعة للأمم المتحدة في روما حديثه لإذاعة العراق الحر بالإشارة إلى أهميةِ تعزيز إجراءاتٍ أطلقتها الحكومة العراقية، ومنها المبادرة الزراعية على سبيل المثال، مضيفاً أنه "لتحقيق الأمن الغذائي، يجب أن يُنتج العراق ما يكفيه من الغذاء. وإنْ لم يستطع أن ينتج ما يكفيه، يجب أن يكون لدى المواطن العراقي من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب القدرة على شراء هذا الغذاء."
مزيد من التفاصيل في الملف الصوتي الذي يتضمن مقابلة مع سفير العراق لدى منظمات الغذاء التابعة للأمم المتحدة في روما الدكتور حسن الجنابي.