عدد هذا الاسبوع من المجلة الثقافية يسلط الضوء على احد أهم النقاد الأكاديميين العراقيين وابرز مؤسسي النقد الحديث في العراق، كما يستعرض استطلاعا لجريدة الصباح حول ما يشعر به غير الشعراء من رغبة في ان يكونوا شعراء، لكننا كالمعتاد نفتتح المجلة بابرز النشاطات الثقافية التي شهدها الاسبوع المنصرم. ففي مدينة السليمانية افتتح المعرض السنوي للرسوم التشكيلية لطلاب المدارس الإعدادية في محافظة السليمانية بمشاركة 20 مدرسة. واحتوى المعرض السنوي على لوحات تشكيلية ونقوش واعمال حفر على الخشب عن شخصيات تاريخية فيما خلت الرسوم من شخصيات سياسية. يذكر أن احد اسباب عدم تطور المهارات الفنية في المدارس هو ان مادة التربية الفنية تعتبر من المواد غير الأساسية في المنهج الدراسي، ولا تحسب ضمن المواد التي تؤثر في معدل الطالب في الامتحانات الوزارية للصفوف الإعدادية والمتوسطة المنتهية، كما لا تدرج الدرجة التي يحصل عليها الطالب في مادة التربية الفنية ضمن المعدل العام للطالب.
في الكوت أطلقت وزارة الثقافة المشروع الوطني للمثقف العراقي، ويهدف المشروع إلى وضع قاعدة بيانات حقيقية للنتاج الأدبي والفكري للمثقفين العراقيين. وقال مدير البيت الثقافي في محافظة واسط سعود حمد الشمري أنه بوشر بتوزيع استمارة المشروع الوطني على الادباء والمثقفين في المحافظة. وأن البيت الثقافي أجرى خلال الأسابيع الماضية، سلسلة من اللقاءات والحوارات والندوات شارك فيها عدد كبير من المبدعين والإعلاميين في مجالات الثقافة والفكر والآداب، للتعريف بأهمية هذا البرنامج، مبيناً بأن الاستمارات ستكون بمثابة قاعدة بيانات ستعتمدها الوزارة لمعرفة إنجازات المثقف العراقي وإبداعاته، وما يطرأ على حياته الثقافية والشخصية من متغيرات. ومن المعروف أن عددا كبيرا من الأدباء والمثقفين في العراق يعانون من عدم دعم اعمالهم ونشاطاتهم الفكرية والثقافية والأدبية.
في بغداد عقدت كلية التربية الأساسية بالجامعة المستنصرية مؤتمراً علميا حول أساليب رعاية الموهوبين، وطرق رعايتهم باعتبارهم ثروة وطنية واستثماراً مضموناً في المستقبل. رئيس الجامعة المستنصرية إحسان القرشي اعلن أن إطلاق هذه الإستراتيجية يأتي على خلفية الافتقار إلى آليات علمية وعملية واضحة للتعامل مع الموهوبين في العراق كما شخصته البحوث العلمية، التي قدمت خلال المؤتمر. وغني عن الذكر أن رعاية المواهب والطاقات الإبداعية من الأمور المهمة للنهوض بمجالات الحياة المختلفة في أي بلد.
محطات ثقافية
المحطة الثقافية لهذا الاسبوع تستعرض موضوعاً لا يخلو من طرافة، وهو استطلاع اجرته الصحفية بلقيس كاووش ونشرته جريدة الصباح حول ما يشعر به غير الشعراء من رغبة في ان يكونوا شعراء، او اهتمامهم بالشعر عموما. الاستطلاع شمل لقاءات مع أشخاص من شرائح مختلفة من المجتمع. والسؤال الذي طرح على المستفتين كان: ما ذا يعنيه الشعر بالنسبة لهم، وهل فكروا يوما أن يكونوا شعراء؟ وجاءت إجابات البعض حاسمة، وكأنهم كانوا يتوقعون بل ويتمنون أن يطرح عليهم مثل هذا السؤال. فالفنان ضياء الحجار، وهو رسام لرسوم الأطفال والكاريكاتير يجيب عن السؤال بانه يحب متابعة الشعر منذ صغره، وكانت لديه محاولات شعرية قديمة اثناء الدراسة، إذ كان اساتذته يشجعونه على الكتابة، لكن رغبته بكتابة الشعر انطفأت تدريجيا ليهيمن عليه بعدها حبه للرسم. سؤال الصحفية في استطلاعها يثير سؤالا آخر، وهو رغبة الكثير من الأشخاص في الوسط الأدبي نفسه بان يكونوا شعراء، رغم أن عددا كبيرا منهم لا يملك مؤهلات الموضوع، فلماذا هذا الولع في العراق بأن يكون المرء شاعرا؟ سؤال اجاب عنه الشاعر محمد جبار وهو أحد شعراء قصيدة الطفل قائلا: من المعروف ان العراق هو بلد الشعر والشعراء وان الإنسان العراقي محب للشعر، لكن الرغبة وحدها لا تكفي لكي يكون الانسان شاعرا، إذ عليه أولا أن يمتلك الشاعر في داخله، زد على ان الشعر ليس معرفة البحور والأوزان وغيرها فحسب، وإلا لكان كل خريجي كليات الآداب شعراء.
وتورد الصحفية كاووش إجابات شرائح أخرى، منهم الإعلامي مازن لطيف، والناشط المدني جاهد حسن، والمهندس عادل، الذي قال انه من اشد المتابعين للشعر ولديه محاولات كثيرة لكتابته، مفضلا الاحتفاظ بها لنفسه لعدم رغبته في نشرها يوما. هذا الرأي يختلف بالتأكيد عن آراء ورغبة الكثيرين ممن يحبون أن يكونوا شعراء معروفين، لاسيما في بلد قد يعتبر لقب الشاعر فيه شيئا يولد نوعا من أهمية، ووجاهة للشخص. يقول الشاعر محمد جبار أن مثل هذه القناعة أو التصور لا يزال موجودا في مجتمعنا، وجذوره تمتد إلى التصور التقليدي للشاعر بأنه لسان حال قبيلته، وكثيرون يعتقدون أنهم إذا ما صاروا شعراء فإنهم سيصيرون أشخاصا متميزين، وهم فعلا يصيرون متميزين إذا ما تمكنوا من امتلاك جناحين يحلقون بهما في فضاءات الشعر والصورة الجميلة والمفردة الرشيقة.
وتقول الصحفية كاووش انها صدمت حين اكتشفت بأن معظم الأجوبة انصرفت تلقائيا نحو الشعر الشعبي، الذي ربما يمثل الشعر (بالألف واللام) بالنسبة لشريحة كبيرة من العراقيين المتعلمين. وبالطبع فان إشارة الصحفية هذه تدل على وجود نوع من الفجوة المحسوسة ليس بين الشعر الفصيح ومعظم الناس فقط، بل بين الأدب الفصيح عموما والمجتمع الذي لا يعنى بالثقافة وهمومها إلا نادرا.
مبدعون عراقيون
في عدد هذا الاسبوع من المجلة الثقافية نعرّف بالعلامة الراحل عناد غزوان الذي يعتبره كثيرون أحد أهم النقاد الأكاديميين العراقيين، الذين ظهروا منذ تأسيس العراق الحديث، والذي رحل عن عالمنا عام 2006 عن عمر ناهز السبعين عاما. الناقد علي الفواز يرى أن الراحل احد ابرز مؤسسي النقد الحديث في العراق، كما انه علامة مهمة من علامات التاريخ الثقافي العراقي المعاصر، وانه ممن منهجوا الممارسة النقدية في العراق، وأعطوا للنقد الأكاديمي حضورا فاعلا، وان النقد كان يميل إلى الانطباعية قبل ان يتمكن أشخاص مثل عناد غزوان وعدد من الاكاديمين العراقيين الرواد من ملامسة المشهد العراقي الموار بالتجاذبات والتحولات. ويضيف الفواز أن عناد غزوان واحد ممن تمكنوا من تقعيد المفاهيم النقدية الجديدة، وتأكيد التشابك ما بين الطروحات المنهجية الحديثة والأفق الثقافي العراقي.لأنه استطاع بحكم دراساته وتخصصه أن يوائم ما بين المشهد الثقافي الغربي والثقافة العراقية بمخاضاتها وتجاذباتها.
ولد عناد غزوان في مدينة الديوانية عام 1934 وبدأ النشر في الصحف 1953، حصل على شهادة الدبلوم العالي من انكلترا عام 1959، وعلى شهادة التعليم منها ايضا1960، وعلى دكتوراه فلسفة في الأدب العربي سنة 1963. تولى عمادة كلية أصول الدين عام 1973، ورئاسة قسم اللغة العربية بكلية الآداب بين عامي 1990-1993. وتخرجت على يده أجيال من الأساتذة والباحثين.
ترك الأستاذ الراحل أكثر من خمسة وعشرين كتابا في مجالات البحوث والنقد، تأليفا وترجمة، نذكر منها: مكانة القصيدة العربية بين النقاد والرواة العرب 1967. والشعر والفكر المعاصر، بغداد عام 1974. ودراسات في الشعر الجاهلي، عمان 2006. ترأس الباحث الراحل اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين بعد سقوط حكم البعث، لكنه رحل عام 2006 ليترك وراءه إرثا ثمينا من الكتب والدراسات والباحثين والأساتذة الذين تخرجوا على يديه