عدد المجلة الثقافية لهذا الأسبوع يتضمن، الى جانب أخبار ثقافية من عدد من محافظات العراق، استعراضا مقتضبا لاهم المحطات في حياة الفنان العراقي الكبير الراحل جواد سليم واهم اعماله، كما يتضمن العدد محاولة للدخول في عالم الثقافة والمثقفين العراقيين عبر استطلاع ارائهم عما تعنيه لهم كلمة الثقافة، وكيف يتعاملون معها.
احتفلت نقابة الصحفيين العراقيين في محافظة البصرة بالذكرى الحادية والعشرين بعد المئة لتأسيس الصحافة فيها، تلك الصحافة التي انطلقت عام 1889 عندما صدر العدد الأول من جريدة (البصرة) في الثامن عشر من شهر كانون الثاني من ذلك العام. كان يشرف على الصحيفة حينذاك الوالي العثماني محمد باشا، واستمرت تلك الصحيفة بالصدور باللغتين العربية والتركية لمدة ربع قرن، حتى توقفها عام 1914 مع دخول القوات البريطانية إلى المدينة. وأعرب العشرات من الصحفيين الذين شاركوا في الاحتفال عن أملهم باتساع مساحة حرية العمل الصحفي، كما عرضت خلال الاحتفال مقاطع من فيلم سينمائي حول أحداث اختطاف صحفي بريطاني في البصرة عام 2007. يذكر أن الصحافة العراقية شهدت تطورا كبيرا بعد نيسان 2003، رغم أنها لا تزال تعاني من بعض القيود غير الرسمية بين فترة وأخرى.
في الكوت رعت الجمعية العراقية للتصوير في محافظة ميسان معرضا للمصور الفوتوغرافي محمد هاشم النعماني، وضم المعرض 50 صورة تمثل مشاهد تاريخية وتراثية من قضاء النعمانية خلال الخمسين عاما الماضية.
وقال رئيس الجمعية كريم البعاج، أن الجمعية وضعت خطة للعام الحالي لتفعيل دور المصورين في الاقضية والنواحي، والعمل على دعمهم بإقامة معارض شخصية ومشتركة لهم، فضلا عن إقامة دورات تدريبية وتأهيلية خاصة. أما المصور الفوتوغرافي هاشم النعماني فقال إن هذا المعرض هو المعرض الشخصي الأول له، ويضم 50 صورة بالأسود والأبيض تسجل مشاهد عدة من تاريخ مدينة النعمانية، فضلا عن صور لشخصيات دينية واجتماعية كانت حتى وقت قريب مؤثرة في حياة سكان المدينة، واخرى للمحلات القديمة والحرف والصناعات الشعبية والموروث الذي كان سائدا قبل أكثر من 50 عاما. يذكر أن توثيق المعالم والأحداث وحياة الشخصيات المؤثرة في الموروث العراقي من الأمور المهمة، سيما بعد محاولات التجاهل أوالتحريف الكثيرة التي قامت بها الأنظمة التي تعاقبت على حكم العراق لهذا الموروث.
في اربيل اطلق الكاتب والصحفي العراقي زهير الجزائري مشروعا لتدوين التاريخ العراقي شفويا، عبر لقاءات مصورة مع أشخاص يمثلون ذاكرة العراق، من شرائح مختلفة ومن كبار السن. بدأ الجزائري، الذي يرأس تحرير وكالة أنباء "أصوات العراق" المستقلة، منذ خمسة اشهر العمل على تنفيذ هذا المشروع، الذي أطلق عليه "التاريخ الشفاهي العراقي". ودرب لهذا الغرض مجموعة من الشباب على كيفية إجراء اللقاءات والحوارات.
يقول الجزائري أن فريق العمل في المشروع سجل حتى الآن 54 لقاء مصورا، تمثل بمجموعها 110 ساعات تصوير فيديو. وجرى التركيز على الشخصيات غير المنظورة في التدوين التاريخي المألوف، أي ان المشروع يركز على ما يصفه بـ"التاريخ التحتاني"، مثل أول معلمة في الأرياف، أو صاحب أقدم مقهى، أو الأماكن التي تستطيع أن تعطينا فكرة عن التغيير الاجتماعي بالمحيط.
ويرى متابعون للشأن الثقافي أن خطوات من هذا النوع مهمة فعلا، سيما وان تراث العراق ومنجزاته الثقافية والإبداعية تفتقر إلى التوثيق المنهجي، الذي ينأى بها عن الضياع أو الارتجال والعشوائية.
محطات ثقافية
الطريقة الافضل للتعرف على الواقع الثقافي في العراق عن كثب، ربما تكون بالاطلاع على تصورات المبدعين العراقيين عن أهم كلمة يتداولها الوسط الثقافي ونقصد بها (الثقافة). فبينما يستخدم جميع المثقفين هذه الكلمة، فان معناها يختلف من مثقف إلى آخر، وهذا ما نحاول استجلاءه عبر استطلاعات نجريها بين فترة وأخرى. الناقد بشير حاجم يعتقد أن الثقافة تتجسد أولا في التواصل الحضاري بين مختلف الأشخاص والجماعات، هذا التواصل الذي يمكن أن يأخذ أشكالا وأساليب وطرقا مختلفة. وباعتباره ناقدا أدبيا، يتواصل مع الآخرين ثقافيا عبر كتاباته وكتاباتهم في الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية، وما تثيره النصوص من ردود وتعليقات متقابلة. هذه العملية بمجملها تمثل له التواصل الثقافي، باعتباره كاتبا. وعند الطلب اليه تحديد من هو المثقف الحقيقي؟. قال حاجم انه يعتقد أن المبدعين إجمالا يمكن اعتبارهم مثقفين، ولكن لا يمكن اعتبار كل مثقف مبدعا. ويضرب مثلا بالشعراء الذين يعتقد أن الحقيقيين منهم مثقفون فعلا، وان بعضهم يمتلك مؤهلات ثقافية رفيعة.
لا حاجة بنا إلى القول أن منطقة الباب الشرقي هي من مناطق بغداد المركزية الرئيسة، بل ربما المركز الأهم، ولا احسبنا في حاجة أيضا إلى القول أن ساحة التحرير هي قلب تلك المنطقة النابض، حيث ينتصب ذلك العمل الفني العظيم الذي يرتفع عاليا تحت شمس الصيف وغيوم الشتاء. انه نصب الحرية الشهير الذي أبدعته أنامل وروح الفنان العراقي الخالد جواد سليم، الذي تمر في مثل هذه الأيام ذكرى وفاته التاسعة والأربعين.
ولد جواد سليم عام 1921 في العاصمة التركية انقرة لأبوين عراقيين، واشتهرت عائلته بالرسم، إذ كان والده الحاج سليم وأخوته سعاد ونزار ونزيهة فنانين تشكيليين. وكان في طفولته يصنع من الطين تماثيل تحاكي لعب الأطفال. أكمل دراسته الابتدائية والثانوية في بغداد، ونال سليم وهو في الحادية عشرة من عمره الجائزة الفضية في النحت في أول معرض للفنون في بغداد سنة 1931. وأرسل في بعثة إلى فرنسا حيث درس النحت في باريس عامي 1938-1939. ورأس قسم النحت في معهد الفنون الجميلة في بغداد حتى وفاته في 23 كانون الثاني 1961. كان الفنان الراحل يجيد الانكليزية والايطالية والفرنسية والتركية إضافة إلى لغته العربية، وكان يحب الموسيقى والشعر والمقام العراقي. أسس جماعة بغداد للفن الحديث مع الفنانين شاكر حسن آل سعيد ومحمد غني حكمت. كما انه أحد مؤسسي جمعية التشكيليين العراقيين.
وضع جواد سليم عبر بحثه الفني المتواصل أسس مدرسة عراقية في الفن الحديث، وفاز نصبه المسمى (السجين السياسي المجهول) بالجائزة الثانية في مسابقة نحت عالمية، كان المشترك الوحيد من الشرق الاوسط فيها، وتحتفظ الامم المتحدة بنموذج مصغر من البرونز لهذا النصب. تميز أسلوب جواد سليم الفني بالتجديد والحداثة ومحاولة الخروج عن المألوف، بالإضافة إلى استلهامه للرموز التراثية والتاريخية. اتسمت تجربته بالقلق والتمرد، وتبلورت من أسئلة جوهرية حيال التراث والمعاصرة، فكلمته الشهيرة "الشك أساس اليقين" وأيضاً كلمته "لا تهمني السياسة بقدر الإنسان" كانتا أساس بحثه في هذه المواضيع. وقد استلهم جواد سليم لوحاته البغدادية من نسيج رسوم الواسطي مستثمراً بعض الرموز البغدادية الإسلامية كالأهلة والأقواس والأبواب، ومن المعطيات التاريخية والروحية للناس والأمكنة.
من لوحاته الفنية لوحة "عائلة بغدادية" 1953، "أطفال يلعبون" 1954، "زخارف هلالية" 1955، "الزفـّة" 1956 وغيرها كثير. أما عمله الفني الأبرز فهو نصب الحرية المنتصب تحت صيف بغداد وشتائها يحكي قصة مرحلة مهمة من تاريخ العراق الحديث الزاخر بالتطورات والتغييرات.
أخبار ثقافية
احتفلت نقابة الصحفيين العراقيين في محافظة البصرة بالذكرى الحادية والعشرين بعد المئة لتأسيس الصحافة فيها، تلك الصحافة التي انطلقت عام 1889 عندما صدر العدد الأول من جريدة (البصرة) في الثامن عشر من شهر كانون الثاني من ذلك العام. كان يشرف على الصحيفة حينذاك الوالي العثماني محمد باشا، واستمرت تلك الصحيفة بالصدور باللغتين العربية والتركية لمدة ربع قرن، حتى توقفها عام 1914 مع دخول القوات البريطانية إلى المدينة. وأعرب العشرات من الصحفيين الذين شاركوا في الاحتفال عن أملهم باتساع مساحة حرية العمل الصحفي، كما عرضت خلال الاحتفال مقاطع من فيلم سينمائي حول أحداث اختطاف صحفي بريطاني في البصرة عام 2007. يذكر أن الصحافة العراقية شهدت تطورا كبيرا بعد نيسان 2003، رغم أنها لا تزال تعاني من بعض القيود غير الرسمية بين فترة وأخرى.
في الكوت رعت الجمعية العراقية للتصوير في محافظة ميسان معرضا للمصور الفوتوغرافي محمد هاشم النعماني، وضم المعرض 50 صورة تمثل مشاهد تاريخية وتراثية من قضاء النعمانية خلال الخمسين عاما الماضية.
وقال رئيس الجمعية كريم البعاج، أن الجمعية وضعت خطة للعام الحالي لتفعيل دور المصورين في الاقضية والنواحي، والعمل على دعمهم بإقامة معارض شخصية ومشتركة لهم، فضلا عن إقامة دورات تدريبية وتأهيلية خاصة. أما المصور الفوتوغرافي هاشم النعماني فقال إن هذا المعرض هو المعرض الشخصي الأول له، ويضم 50 صورة بالأسود والأبيض تسجل مشاهد عدة من تاريخ مدينة النعمانية، فضلا عن صور لشخصيات دينية واجتماعية كانت حتى وقت قريب مؤثرة في حياة سكان المدينة، واخرى للمحلات القديمة والحرف والصناعات الشعبية والموروث الذي كان سائدا قبل أكثر من 50 عاما. يذكر أن توثيق المعالم والأحداث وحياة الشخصيات المؤثرة في الموروث العراقي من الأمور المهمة، سيما بعد محاولات التجاهل أوالتحريف الكثيرة التي قامت بها الأنظمة التي تعاقبت على حكم العراق لهذا الموروث.
في اربيل اطلق الكاتب والصحفي العراقي زهير الجزائري مشروعا لتدوين التاريخ العراقي شفويا، عبر لقاءات مصورة مع أشخاص يمثلون ذاكرة العراق، من شرائح مختلفة ومن كبار السن. بدأ الجزائري، الذي يرأس تحرير وكالة أنباء "أصوات العراق" المستقلة، منذ خمسة اشهر العمل على تنفيذ هذا المشروع، الذي أطلق عليه "التاريخ الشفاهي العراقي". ودرب لهذا الغرض مجموعة من الشباب على كيفية إجراء اللقاءات والحوارات.
يقول الجزائري أن فريق العمل في المشروع سجل حتى الآن 54 لقاء مصورا، تمثل بمجموعها 110 ساعات تصوير فيديو. وجرى التركيز على الشخصيات غير المنظورة في التدوين التاريخي المألوف، أي ان المشروع يركز على ما يصفه بـ"التاريخ التحتاني"، مثل أول معلمة في الأرياف، أو صاحب أقدم مقهى، أو الأماكن التي تستطيع أن تعطينا فكرة عن التغيير الاجتماعي بالمحيط.
ويرى متابعون للشأن الثقافي أن خطوات من هذا النوع مهمة فعلا، سيما وان تراث العراق ومنجزاته الثقافية والإبداعية تفتقر إلى التوثيق المنهجي، الذي ينأى بها عن الضياع أو الارتجال والعشوائية.
محطات ثقافية
الطريقة الافضل للتعرف على الواقع الثقافي في العراق عن كثب، ربما تكون بالاطلاع على تصورات المبدعين العراقيين عن أهم كلمة يتداولها الوسط الثقافي ونقصد بها (الثقافة). فبينما يستخدم جميع المثقفين هذه الكلمة، فان معناها يختلف من مثقف إلى آخر، وهذا ما نحاول استجلاءه عبر استطلاعات نجريها بين فترة وأخرى. الناقد بشير حاجم يعتقد أن الثقافة تتجسد أولا في التواصل الحضاري بين مختلف الأشخاص والجماعات، هذا التواصل الذي يمكن أن يأخذ أشكالا وأساليب وطرقا مختلفة. وباعتباره ناقدا أدبيا، يتواصل مع الآخرين ثقافيا عبر كتاباته وكتاباتهم في الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية، وما تثيره النصوص من ردود وتعليقات متقابلة. هذه العملية بمجملها تمثل له التواصل الثقافي، باعتباره كاتبا. وعند الطلب اليه تحديد من هو المثقف الحقيقي؟. قال حاجم انه يعتقد أن المبدعين إجمالا يمكن اعتبارهم مثقفين، ولكن لا يمكن اعتبار كل مثقف مبدعا. ويضرب مثلا بالشعراء الذين يعتقد أن الحقيقيين منهم مثقفون فعلا، وان بعضهم يمتلك مؤهلات ثقافية رفيعة.مبدعون عراقيون
لا حاجة بنا إلى القول أن منطقة الباب الشرقي هي من مناطق بغداد المركزية الرئيسة، بل ربما المركز الأهم، ولا احسبنا في حاجة أيضا إلى القول أن ساحة التحرير هي قلب تلك المنطقة النابض، حيث ينتصب ذلك العمل الفني العظيم الذي يرتفع عاليا تحت شمس الصيف وغيوم الشتاء. انه نصب الحرية الشهير الذي أبدعته أنامل وروح الفنان العراقي الخالد جواد سليم، الذي تمر في مثل هذه الأيام ذكرى وفاته التاسعة والأربعين.
ولد جواد سليم عام 1921 في العاصمة التركية انقرة لأبوين عراقيين، واشتهرت عائلته بالرسم، إذ كان والده الحاج سليم وأخوته سعاد ونزار ونزيهة فنانين تشكيليين. وكان في طفولته يصنع من الطين تماثيل تحاكي لعب الأطفال. أكمل دراسته الابتدائية والثانوية في بغداد، ونال سليم وهو في الحادية عشرة من عمره الجائزة الفضية في النحت في أول معرض للفنون في بغداد سنة 1931. وأرسل في بعثة إلى فرنسا حيث درس النحت في باريس عامي 1938-1939. ورأس قسم النحت في معهد الفنون الجميلة في بغداد حتى وفاته في 23 كانون الثاني 1961. كان الفنان الراحل يجيد الانكليزية والايطالية والفرنسية والتركية إضافة إلى لغته العربية، وكان يحب الموسيقى والشعر والمقام العراقي. أسس جماعة بغداد للفن الحديث مع الفنانين شاكر حسن آل سعيد ومحمد غني حكمت. كما انه أحد مؤسسي جمعية التشكيليين العراقيين.
وضع جواد سليم عبر بحثه الفني المتواصل أسس مدرسة عراقية في الفن الحديث، وفاز نصبه المسمى (السجين السياسي المجهول) بالجائزة الثانية في مسابقة نحت عالمية، كان المشترك الوحيد من الشرق الاوسط فيها، وتحتفظ الامم المتحدة بنموذج مصغر من البرونز لهذا النصب. تميز أسلوب جواد سليم الفني بالتجديد والحداثة ومحاولة الخروج عن المألوف، بالإضافة إلى استلهامه للرموز التراثية والتاريخية. اتسمت تجربته بالقلق والتمرد، وتبلورت من أسئلة جوهرية حيال التراث والمعاصرة، فكلمته الشهيرة "الشك أساس اليقين" وأيضاً كلمته "لا تهمني السياسة بقدر الإنسان" كانتا أساس بحثه في هذه المواضيع. وقد استلهم جواد سليم لوحاته البغدادية من نسيج رسوم الواسطي مستثمراً بعض الرموز البغدادية الإسلامية كالأهلة والأقواس والأبواب، ومن المعطيات التاريخية والروحية للناس والأمكنة.
من لوحاته الفنية لوحة "عائلة بغدادية" 1953، "أطفال يلعبون" 1954، "زخارف هلالية" 1955، "الزفـّة" 1956 وغيرها كثير. أما عمله الفني الأبرز فهو نصب الحرية المنتصب تحت صيف بغداد وشتائها يحكي قصة مرحلة مهمة من تاريخ العراق الحديث الزاخر بالتطورات والتغييرات.