تعمل في العراق منظمات دولية مختلفة هدفها المعلن مساعدة الشعب العراقي على ازالة آثار الدمار الذي خلفته حروب السنوات الماضية واعادة بناء الاقتصاد الوطني. ومن بين هذه المنظمات الوكالة الاميركية للتنمية الدولية وبرنامج "انماء" الذي تنفذه الوكالة للمساهمة في تطوير القطاع الزراعي وبذلك تنويع مصادر الدخل القومي وتقليل الاعتماد على عائدات النفط. اذاعة العراق الحر التقت مدير برنامج "انماء" روس ويري الذي استعرض ما حققه البرنامج منذ انطلاقه قبل عامين:
"أُنشئ برنامج "انماء" في عام 2007. كان هناك مشروع قبله ايضا يعمل في القطاع الزراعي ضمن مجموع النشاطات التي تقوم بها الوكالة في العراق. ومنذ عام 2007 تمكنا من ايجاد نحو خمسة آلاف فرصة عمل. ويشارك برنامج "انماء" في بناء قطاع جديد لتربية الابقار والاغنام من أجل توفير الغذاء للشعب العراقي. كما نسهم في الجهود الرامية الى احياء الصناعة السمكية. في عام 2007 كان انتاج الاسماك معطلا تقريبا. وفي عام 2009 بلغ الانتاج 65 ألف طن من الاسماك أو نحو اثنين وثلاثين مليون سمكة. ونعلم ان هناك طلبا متزايدا على اللحوم الأخرى وبالتالي فنحن نساعد مربي الحيوانات العراقيين على تلبية هذا الطلب بتوفير لحوم الغنم أو البقر".
ويشمل برنامج "انماء" العمل على تطوير الانتاج الزراعي الى جانب الثروة الحيوانية. وفي هذا المجال لاحظ مدير "انماء" في معرض حديثه عن انتاج الفواكه والخضروات عادات وممارسات تبدو صغيرة لكنها تكبد المزارع والتاجر والمستهلك خسائر كبيرة:
"خلال العام الماضي تعلمنا ما يكفي عن انتاج الخضروات والفواكه للبدء ببرنامج في هذا المضمار. كما تعلمون فان ثمانين في المئة من الخضروات والفواكه التي يأكلها العراقيون تأتي من بلدان مجاورة. وتعين علينا ان نعرف لماذا لا يستطيع المزارع العراقي ان يسهم بقسط أكبر من انتاج هذه المحاصيل. ما توصلنا اليه ان جزء من المشكلة يكمن في الانتاج ولكن جانبا كبيرا منها سببه ما يحدث بعد جني محصول الخضروات والفواكه. فان حوالي نصف انتاج العراق من الخضروات والفواكه يُهدر بسبب التلف الذي يلحق بالمنتوج بين مغادرته الحقل ووصوله الى السوق. وعلى سبيل المثال عندما يأتي أحد بشوال من المشمش الى السوق فانه يلقيه ارضا بدلا من وضعه بعناية. وإذا القاه من ارتفاع اربعة سنتمترات عن الأرض فان ذلك يكفي لاتلاف كل المشمش الموجود في الكيس. يبدأ موسم البذر في تشرين الاول وسنعمل مع المزارعين والمسوِّقين للتوثق من الاهتمام بالمحصول كي لا يذهب كدح الفلاح في زراعته سدى".
من اكبر المشاكل التي تواجهها الزراعة العراقية توعية المزارع بضرورة التخلي عن الاساليب التقليدية القديمة واعتماد تقنيات حديثة. وتزداد أهمية هذه القضية في وقت يعاني العراق من أزمة في الموارد المائية تضافرت على خلقها عوامل متعددة بينها الجفاف وقلة الامطار وسدود الجيران على نهري دجلة والفرات وروافدهما. وفي هذا الشأن تناول مدير برنامج "انماء" روس ويري في حديثه لاذاعة العراق الحر الخسائر الناجمة عن مواصلة التشبث بالاساليب والعادات الزراعية القديمة والجهود الرامية الى اقناع المزارع العراقي بنبذها لصالح طرق أكثر عقلانية واقتصادا:
"في نظام الارواء التقليدي الذي يغمر الحقل بالماء يضيع نحو سبعين في المئة من الماء دون ان يُستخدَم في تغذية الزرع. القضية الأخرى التي نلاحظها ان المزارعين يبدون حرصا شديدا في استثمار ما لديهم من مال لكنهم لا يبالون كثيرا بالطريقة التي يستثمرون بها الماء. ونأمل ان يبدأ المزارعون بالنظر الى الماء مثلما ينظرون الى المال. وعندما نبدأ العمل مع المزارعين في خريف هذا العام فان أحد الأشياء التي سنعمل على توعيتهم بها ان المرء يستثمر الماء من اجل الحصول على مردود مالي ، مثلما يستثمر المال. نحن نعمل مع مسؤولي الوزارات والمسؤولين على مستوى المحافظات من أجل التواصل مع المزارعين عن طريق جمعياتهم لاقناعهم بأن الماء مورد ثمين. في الحقيقة ان الحصول على الماء أصعب من الحصول على قرض".
العراق مثله مثل العديد من البلدان النامية يواجه مشكلة الهجرة من الريف الى المدينة بحثا عن حياة أفضل. ولكن ظروف العراق وما رافقها من تردٍ في القطاعات الاقتصادية المختلفة ، وفي مقدمتها الزراعة ، ساهمت في تفاقم هذه الهجرة من الريف مهددة بانقراض مهنة الزراعة التي ارتبطت بارض العراق منذ آلاف السنين. ولفت مدير برنامج "انماء" روس ويري في حديثه لاذاعة العراق الحر الى أهمية توفير ما يشجع المزارع العراقي على البقاء في ارضه ، وخاصة ما يضمن له مستلزمات العمل المجزي والعيش الكريم:
"نعتقد ان المزارع سيبقى في ارضه إذا اقتنع بأنها تحقق له مصدر رزق يكفي لاطعام عائلته وتلبية حاجاتها المعهودة. هناك المصاعب المرتبطة بشح الماء. فمن دون ماء ومن دون أفق لتوفره ، سيرحل المزارع عن أرضه. احيانا ترسل العائلة ابنها الى المدينة للتعلم في مدراسر أفضل ، وهو بالطبع لن يعود الى المزرعة بعدما عاش في المدينة. ما يمكن ان يسهم به برنامج "انماء" في هذا الشأن هو انا إذا تمكنا من جعل الزراعة مهنة مجزية وحياة الريف أكثر حيوية وفرص العمل في المزرعة متاحة لأفراد العائلة ، فلعل المزارع سيبقى في ارضه. نحن ندرك ان العملية معقدة ولكن ضمان دخل جيد عامل مهم فيها".
مدير برنامج "انماء" روس ويري اعرب عن تقديره واحترامه لقدرات العراقيين بمن فيهم علماؤهم ، وتفاؤله بمستقبل الزراعة على يد الفلاح العراقي صانع الحضارات:
"الزراعة مهنة علمية والعراقيون فخورون بعلمائهم. وإذا طُبق هذا العلم على زراعة الغذاء وارواء الأرض وتسويق المحصول سيكون لها مستقبل مشرق على ما نعتقد. علم الأحياء للتعامل مع الحيوانات وعلم النبات مع الزرع والكيمياء مع التربة والمواد الكيمياوية والمهارات التجارية للتسويق. وعلى المزارع ان يتقن كل هذه الفروع. انه يستحق كل الاحترام. لعل المزارع لم يتلق تعليما واسعا في المدرسة ولكنه تلقى تعليما عاليا في الحياة".
يعمل برنامج "انماء" بالتعاون مع الحكومة الاتحادية والسلطات المحلية وفرق اعادة الاعمار في المحافظات والقطاع الخاص لتطوير الزراعة العراقية وتنويع نشاطها وزيادة فرص العمل فيها.
اعرب مدير برنامج "انماء" الاميركي في العراق عن تفاؤله بآفاق تطور الزراعة في العراق وخاصة إذا أقبل المزارع العراقي على اعتماد التقنيات الحديثة.