روابط للدخول

خبر عاجل

تحالف العهد المقدس عام 1934


خالد القشطيني – لندن


عقدت في التاريخ شتى التحالفات والأحلاف التي اعطيت صفة المقدس. وكان من ذلك في العراق، عراق ايام الخير، ما سمي بالعهد المقدس. وبالغ البعض من باب التعظيم احيانا والسخرية احيانا فسموه بالكتاب المقدس. جرى تأليف ذلك عام 1934 بعد ان اجتمع عدد من رجالات العراق كان منهم رشيد عالي الكيلاني وحكمت سليمان وياسين الهاشمي ونفر من رؤساء العشائر. اجتمعوا في بيت رشيد عالي الكيلاني في الصليخ. ففي تلك الأيام كان العراقيون يأمنون على انفسهم في الاجتماع مع بعضهم البعض في بيوتهم ونواديهم ولا يخافون من الخطف والذبح. تدارسوا اوضاع البلاد وتوصلوا الى ضرورة تغيير الحكومة القائمة التي كان يترأسها علي جودت الأيوبي. اتفقوا على ذلك وحرروا وثيقة عرفت بهذا الاسم ، العهد المقدس. ويظهر انهم اطلقوا عليها هذه التسمية لأنهم جاؤوا بالمصحف الشريف واقسم كل واحد منهم على الالتزام به.

قامت بنود العهد على اربعة اركان، الأول الولاء للملك، الثاني حماية الدستور وسلطة البرلمان. الركن الثالث احترام التقاليد العشائرية واخيرا عدم قبول أي منصب رسمي دون موافقة الموقعين على الميثاق.

نسى اكثرنا الآن ذلك العهد المقدس، مع كل ما نسيناه من وقائع تلك الأيام، ايام بناء العراق الحديث وارساء اسسه، ما ينبغي علينا بالنسبة للعراق ان نسميها بأيام الخير. بيد ان ذلك الاجتماع وما تمخض عنه من ميثاق، قدر له ان يلعب دورا كبيرا في مصير البلاد في تلك الآونة. سمى الكثيرون من رجال السياسة والمعلقين ذلك الاجتماع بمؤامرة الصليخ، كناية عن وقوعه في بيت رشيد عالي الكيلاني. انضم الى الحلف من الملاكين ورؤساء العشائر سيد محسن ابو طبيخ وعبد الواحد سكر وعلوان الياسري، وكلهم من الشيعة.
لم يفرق الناس في تلك الأيام انفسهم الى سنة وشيعة.

وكما قلت، لعب هذا العهد المقدس دورا مهما في تطور الأحداث في تلك الفترة . فقد واصل المتعاهدون عقد اجتماعاتهم في الصليخ وقرروا اخيرا كسب رجال الدين الى جانبهم فاتصلوا بالشيخ محمد حسين كاشف الغطاء الذي كان قد آثر العزلة والابتعاد عن رجال السياسة. ولكن جعفر ابو التمن الذي انضم الى جماعة العهد المقدس استطاع ان يقنعه بدعمهم، فتم عقد مؤتمر موسع في النجف الأشرف في اواخر 1935 حضره الكثير من رجال الدين الشيعة. تمخض المؤتمر عن تقديم عريضة الى الملك غازي تطالب بحل البرلمان واستقالة حكومة الأيوبي وتأليف حكومة ائتلافية ديمقراطية تقوم باجراء انتخابات جديدة. ادى هذا النشاط الى تعميق المعارضة داخل البرلمان وخارجه فقام عشرون عضوا من اعضاء مجلس الأعيان بمقاطعة جلسات المجلس، وعلى الصعيد الشعبي انتفضت عشائر الفرات وديالي واعلنت عن تمردها على الحكومة. وعندما طلب رئيس الوزراء من رئيس اركان الجيش طه الهاشمي، ارسال الجيش لقمع الانتفاضة بالقوة، رفض هذا الانصياع للأمر وفتح النار على ابناء الشعب. واشار على رئيس الحكومة بحل المشكلة بالأساليب السياسية غير العنفية. وكذلك اعرب الملك غازي عن اعتراضه على استخدام القوة.

لم يبق للحكومة غير ان تقدم استقالتها للملك الذي بادر الى فتح المفاوضات مع الفئات الوطنية والديمقراطية وفي مقدمتها جماعة الأهالي وجماعة العهد المقدس وحزب الإخاء. اسفرت الاتصالات عن تكليف ياسين الهاشمي بتشكيل الحكومة الجديدة. ولما كان هذا قد وقع والتزم ببنود العهد المقدس فقد فاتح زملاءه في الموضوع فوافقوا على توليه المسؤولية على شروط ومتطلبات تقبلها برحابة صدر.

وكان مشروع العهد المقدس من الخطوات السياسية المشروعة التي ساهمت في التطور السياسي للعراق الوليد، وكانت ايام خير وكانوا اهل خير لم يميزوا بين سني وشيعي.

على صلة

XS
SM
MD
LG