لقد تحول المزاج في ام قصر من الريبة والشعور بالخوف من الجنود البريطانيين اثر بداية غزو العراق، الى ترحيب حار بعد سقوط نظام صدام حسين. ويسيّر البريطانيون دوريات روتينية في المدينة هذه الايام، دون ان يرتدوا الخوذ. ويستمتع بعضهم باللعب مع الصبيان المحليين. مراسلنا رأى امس اثنين من الجنود يركبان دراجتين سوية مع مجموعة من المراهقين. والبندقيتان وراء ظهريهما كانتا الاشارة الوحيدة الى انهما لم يكونا سائحين. وبينما زال التوتر من شوارع في ام قصر لكن سكان المدينة والجنود لم يتوصلوا بعد الى اتفاق حول العلاقات المستقبلية بينهم.
وكانت قوات التحالف قد اعلنت انها تخطط لادارة العراق لمدة غير محددة تبلغ سنة ونصف السنة حسب بعض التقارير، مشجّعة في الوقت نفسه اقامة حكومة جديدة ديمقراطية. سكان المدينة كثيرا ما يقولون للصحافيين انهم ممتنّون للولايات المتحدة وبريطانيا على اطاحة صدام، معربين في الوقت نفسه عن ارتيابهم من أن هاتين الدولتين لم تأتيا الى العراق من اجل الاستيلاء على نفطه. ويشير بعضهم الى ان بقاء الجنود لفترة طويلة قد يحوّل الامتنان الى كراهية.
الا ان معظم الناس يركزون على حاجاتهم الاولية الآن. وتُعتبر اعمال النهب والسلب التي اندلعت بعدما هربت قوات الامن العراقية تحسبا لزحف الحلفاء، تُعتبر هذه الاعمال مقلقة جدا. وقد تعرض لها مصنع الفولاذ في المدينة وهو من اكبر الشركات في ام قصر، وكذلك اربع مدارس. والمنشأ الوحيد الذي نجا من النهب هو الميناء، لأن القوات البريطانية ضمنت امنه فورا باعتباره بوابة لتلقّي مساعدات لاعادة اعمار البلاد.
المدينة باكملها تقريبا لا تعمل الآن، ويشعر كثير من الناس باليأس لانهم تسلّموا رواتبهم للمرة الاخيرة قبل الحرب. وارتفعت اسعار جميع البضائع، وما زالت الامدادات المائية والغذائية من البصرة لا تصل ام قصر بسبب المعارك الاخيرة.
ويقف مئات الناس عند بوابة المرفأ كل يوم، منتظرين إذنا من السلطات البريطانية بالعودة الى عملهم هناك. الرجال يبقون عند المدخل ساعات وتحت شمس لا ترحم، وعندما يتحدثون الى الصحافيين فان يأسهم كثيرا ما يتحول الى غضب:
ويقول هؤلاء الرجال ان البريطانيين استخدموا عددا قليلا فقط من الناس الذين عملوا في المرفأ. لكن حتى العمال الماهرين الذين أُعيدوا الى العمل يُؤمرون بتنظيف المكان، الامر الذي يزيد من الشك في ان أحدا لن يكسب رزقا محترما في ظل الادارة البريطانية الجديدة. الا ان المسؤولين البريطانيين يقولون ان هذه المخاوف لا اساس لها من الصحة، مشيرين الى ان الناس يعودون تدريجيا الى اعمالهم التي كانوا يمارسونها قبل الحرب. لكن البريطانيين يقولون ان هذه العملية تتباطأ بسبب ان دفع الرواتب في الميناء ليس من صلاحيات العسكريين البريطانيين الذين يملكون اموالا فقط لدفع اجور فِرَق التنظيف. وستدفع منظمات انسانية رواتب معظم عمال المرفأ. لكن هذه المنظمات ما زالت تفكر في ميزانياتها والمبالغ التي ستدفعها لشتى الوظائف.
البريطانيون يديرون ام قصر من اداريا وعسكريا. وتحتلّ الادارة الجديدة بناية في المرفأ كانت في السابق فندقا لضباط المخابرات العراقية. الميجور Philip King، احد الضباط البريطانيين المسؤولين عن العلاقات مع المدنيين، يشرح قضية الرواتب ويقول:
(نستطيع فقط اعطاءهم الاعمال المتوفرة حاليا. ان العسكريين يقدمون حلا وقتيا، وستخصص منظمات اخرى مبالغ كبيرة لإنهاض العراق.)
وقال King ان القرارات التي تُتخذ في ام قصر مهمة لبقية العراق لانها تُعتبر سابقة يستطيع الناس في مدن اخرى ان يطلبوا الاقتداء بها. واذا قررت وكالات الاغاثة دفع رواتب عالية في ام قصر فانها ستلتزم بهذا المبدأ في العراق كله. اما اذا دفعت رواتب واطئة فقد يثير ذلك الاستياء.
ومما يعقّد اتخاذ القرار بهذا الصدد ايضا ان واشنطن ولندن وغيرها من العواصم لم تقرر حتى الآن نسبة الاموال المقرر انفاقها على اعادة اعمار العراق من الولايات المتحدة، ونسبة الاموال من الامم المتحدة ومنظمات غير حكومية. وستكون المنظمة الاميركية الحكومية للاغاثة USAID التي افتتحت مقرا في الميناء في الفترة الاخيرة، اكبر جهة مانحة. ويريد العسكريون الاميركيون ان تنسّق الوكالة الاميركية العسكرية لاعادة الاعمار والاغاثة الانسانية كل المساعدات من اجل اعادة بناء البلاد. ويوجد في العراق حاليا الجنرال الاميركي المتقاعد Buck Waters وهو مسؤول كبير من هذه المنظمة التي تم تشكيلها منذ فترة غير بعيدة.
الا ان عددا كبيرا من الوكالات التابعة للامم المتحدة وغيرها من المنظمات غير الحكومية، كما يظهر، تبدى حذرا من التعامل مع العسكريين الاميركيين، خوفا من الاساءة الى سمعتها بصفتها منظمات مستقلة. ومن المحتمل ان لا يبدأ دفع رواتب عمال الميناء واعادة بناء المنشآت مثل مصنع الفولاذ في ام قصر قبل حل هذه المسائل على اعلى مستوى.
لكن المشاكل التي تواجهها ام قصر تبدو تافهة مقارنة بما تعاني منه مدن كبيرة مثل البصرة وبغداد والموصل التي كانت محتلة جزئيا في الايام الاخيرة. وهذا يدل على مدى صعوبة وغلاء اعادة اعمار العراق في الوقت الذي يشهد فيه البلاد اعمال النهب على نطاق واسع، مما يخرّب مباني عامة ومصانع حكومية وشبكات الطاقة ومرافق المياه. فقد نهب اللصوص اجهزة لضخ المياه واسلاكا لمحطات لتوليد الطاقة ومكيفات هواء ومحركات. ولم ينجُ من النهب الا بعض الشركات الخاصة والمستشفيات التي يحرسها موظفوها.
ودعا العسكريون البريطانيون في ام قصر واعضاء البلدية الجديدة الناس الى التحلّي بالصبر. ويرأس البلدية معلم اللغة الانجليزية (نجم عبد) الذي قدم وعدة مواطنين بارزين آخرين أنفسهم للسلطات البريطانية بعد الاستيلاء على المدينة. يُذكر ان كثيرين من اعضاء البلدية الجديدة هم تلامذة سابقون للاستاذ نجم. وقال عبد في حديث الى اذاعتنا انه يدعو سكان المدينة الى الانتظار عدة اسابيع ريثما يحل مستقبل احسن، وذلك بعد عقود من المصاعب الاقتصادية في ظل صدام.
(معظم سكان المدينة امّيون ويعتقدون ان لدينا عصا سحرية. لكننا لا نملكها. لذا علينا ان نصبر. لقد كنا صابرين مدة 35 سنة اثناء حكم صدام، فيمكن للناس ان يصبروا 35 يوما على الاقل).
ومنح الحاكمُ العسكري البريطاني الاستاذَ نجم والبلدية الجديدة صلاحيات واسعة للتفاوض مع وكالات الاغاثة بخصوص الجهود الرامية الى اعادة الاعمار على مستوى محلي.
--- فاصل ---
لكن ليس من الواضح الى أي مدى ستطبّق ادارة التحالف تجربة ام قصر على مدن اخرى في التعامل مع الشخصيات. كما يبقى دون جواب السؤال الى أي مدى يمكن لقوات التحالف التعاون مع البعثيين؟ أم هل يتعين عليها ممارسة سياسة التطهير ضدهم، كما حدث ذلك مع النازيين في المانيا بعد الحرب العالمية الثانية؟ لكن ما يعقد هذه المسألة ان العضوية في حزب البعث كانت شرطا من اجل احتلال المناصب الادارية العالية والمتوسطة. الا ان الولاء للحزب اختلف من شخص الى شخص.
عبد وهو عضو مُحبَط في الحزب يقول ان العضوية كانت ضرورية لجميع الموظفين الحكوميين تقريبا.
(كل اصناف الشرطة والجنود والمعلمين والعمال والمزارعين، اضافة الى كل من له وظيفة حكومية، كان يجب ان ينتمي الى البعث).
اما الآن فان معلم اللغة الانجليزية اللطيف المعشر مكلَّف قيادة سلطات التحالف عبر متاهات السياسة المحلية في الوقت الذي تسعى فيه الادارة الجديدة الى الحصول على حلفاء ذوي قدرة وموثوق بهم. الا ان قرار التحالف منح السلطة الى ناس غير منتخبين يحمل في طياته خطر ان يفضّلوا اصدقاءهم على غيرهم، واذا اتضح ان هؤلاء الاصدقاء ليسوا سياسيين محنكين فان ذلك قد يولّد غضبا وحسدا ضدهم وضد سلطات التحالف. وكان من المتوقع ان تجتمع البعثة الاولى من افراد الشرطة العراقية الجديدة في ام قصر مع السلطات البريطانية يوم امس في اطار جهود رامية الى اعادة الامن. يُذكر ان اعضاء البعثة البالغ عددهم 20 شخصا، هم ضباط شرطة سابقون ومدنيون عاديون، تم تعيينهم من قبل البلدية. يدرس عبد تعيين قاض في محكمة المدينة يعتقد انه انسان نزيه.
وهناك سؤال آخر يتعلق بالدور الذي قد تلعبه المعارضة العراقية في المنفى في ادارة البلاد. ومن المتوقع ان تعقد المعارضة اول لقاء في جنوب العراق نهاية هذا الاسبوع. لكن الادارة الاميركية لم تَعِدْ المعارضة العراقية بدور حتى الآن. واشنطن اشارت الى ان المعارضة ستكون فقط صوتا من الاصوات الكثيرة التي تستمع اليها الادارة الاميركية فيها يخص ترتيب العراق في فترة ما بعد صدام.
وهناك منافسة محتملة في العراق، الامر الذي يعقّد الجهود من اجل اعادة اعمار البلاد، ودل على ذلك اغتيال مرجعين دينيين بارزين في النجف في وقت سابق من هذا الاسبوع. وقد اثارت هذه الجريمة موجة من الاتهامات مفادها انهما قُتلا على يد انصار لزعماء دينيين متنافسين. وكان عبد المجيد الخوئي الذي عاد الى النجف من لندن الاسبوع الماضي، احدى الضحيتين، اما القتيل الثاني فقد كان زعميا دينيا محليا مكروها بسبب علاقته بنظام صدام حسين. وقد ظهر الاثنان سوية في مكان علني في اشارة الى مصالحة.
وكانت قوات التحالف قد اعلنت انها تخطط لادارة العراق لمدة غير محددة تبلغ سنة ونصف السنة حسب بعض التقارير، مشجّعة في الوقت نفسه اقامة حكومة جديدة ديمقراطية. سكان المدينة كثيرا ما يقولون للصحافيين انهم ممتنّون للولايات المتحدة وبريطانيا على اطاحة صدام، معربين في الوقت نفسه عن ارتيابهم من أن هاتين الدولتين لم تأتيا الى العراق من اجل الاستيلاء على نفطه. ويشير بعضهم الى ان بقاء الجنود لفترة طويلة قد يحوّل الامتنان الى كراهية.
الا ان معظم الناس يركزون على حاجاتهم الاولية الآن. وتُعتبر اعمال النهب والسلب التي اندلعت بعدما هربت قوات الامن العراقية تحسبا لزحف الحلفاء، تُعتبر هذه الاعمال مقلقة جدا. وقد تعرض لها مصنع الفولاذ في المدينة وهو من اكبر الشركات في ام قصر، وكذلك اربع مدارس. والمنشأ الوحيد الذي نجا من النهب هو الميناء، لأن القوات البريطانية ضمنت امنه فورا باعتباره بوابة لتلقّي مساعدات لاعادة اعمار البلاد.
المدينة باكملها تقريبا لا تعمل الآن، ويشعر كثير من الناس باليأس لانهم تسلّموا رواتبهم للمرة الاخيرة قبل الحرب. وارتفعت اسعار جميع البضائع، وما زالت الامدادات المائية والغذائية من البصرة لا تصل ام قصر بسبب المعارك الاخيرة.
ويقف مئات الناس عند بوابة المرفأ كل يوم، منتظرين إذنا من السلطات البريطانية بالعودة الى عملهم هناك. الرجال يبقون عند المدخل ساعات وتحت شمس لا ترحم، وعندما يتحدثون الى الصحافيين فان يأسهم كثيرا ما يتحول الى غضب:
ويقول هؤلاء الرجال ان البريطانيين استخدموا عددا قليلا فقط من الناس الذين عملوا في المرفأ. لكن حتى العمال الماهرين الذين أُعيدوا الى العمل يُؤمرون بتنظيف المكان، الامر الذي يزيد من الشك في ان أحدا لن يكسب رزقا محترما في ظل الادارة البريطانية الجديدة. الا ان المسؤولين البريطانيين يقولون ان هذه المخاوف لا اساس لها من الصحة، مشيرين الى ان الناس يعودون تدريجيا الى اعمالهم التي كانوا يمارسونها قبل الحرب. لكن البريطانيين يقولون ان هذه العملية تتباطأ بسبب ان دفع الرواتب في الميناء ليس من صلاحيات العسكريين البريطانيين الذين يملكون اموالا فقط لدفع اجور فِرَق التنظيف. وستدفع منظمات انسانية رواتب معظم عمال المرفأ. لكن هذه المنظمات ما زالت تفكر في ميزانياتها والمبالغ التي ستدفعها لشتى الوظائف.
البريطانيون يديرون ام قصر من اداريا وعسكريا. وتحتلّ الادارة الجديدة بناية في المرفأ كانت في السابق فندقا لضباط المخابرات العراقية. الميجور Philip King، احد الضباط البريطانيين المسؤولين عن العلاقات مع المدنيين، يشرح قضية الرواتب ويقول:
(نستطيع فقط اعطاءهم الاعمال المتوفرة حاليا. ان العسكريين يقدمون حلا وقتيا، وستخصص منظمات اخرى مبالغ كبيرة لإنهاض العراق.)
وقال King ان القرارات التي تُتخذ في ام قصر مهمة لبقية العراق لانها تُعتبر سابقة يستطيع الناس في مدن اخرى ان يطلبوا الاقتداء بها. واذا قررت وكالات الاغاثة دفع رواتب عالية في ام قصر فانها ستلتزم بهذا المبدأ في العراق كله. اما اذا دفعت رواتب واطئة فقد يثير ذلك الاستياء.
ومما يعقّد اتخاذ القرار بهذا الصدد ايضا ان واشنطن ولندن وغيرها من العواصم لم تقرر حتى الآن نسبة الاموال المقرر انفاقها على اعادة اعمار العراق من الولايات المتحدة، ونسبة الاموال من الامم المتحدة ومنظمات غير حكومية. وستكون المنظمة الاميركية الحكومية للاغاثة USAID التي افتتحت مقرا في الميناء في الفترة الاخيرة، اكبر جهة مانحة. ويريد العسكريون الاميركيون ان تنسّق الوكالة الاميركية العسكرية لاعادة الاعمار والاغاثة الانسانية كل المساعدات من اجل اعادة بناء البلاد. ويوجد في العراق حاليا الجنرال الاميركي المتقاعد Buck Waters وهو مسؤول كبير من هذه المنظمة التي تم تشكيلها منذ فترة غير بعيدة.
الا ان عددا كبيرا من الوكالات التابعة للامم المتحدة وغيرها من المنظمات غير الحكومية، كما يظهر، تبدى حذرا من التعامل مع العسكريين الاميركيين، خوفا من الاساءة الى سمعتها بصفتها منظمات مستقلة. ومن المحتمل ان لا يبدأ دفع رواتب عمال الميناء واعادة بناء المنشآت مثل مصنع الفولاذ في ام قصر قبل حل هذه المسائل على اعلى مستوى.
لكن المشاكل التي تواجهها ام قصر تبدو تافهة مقارنة بما تعاني منه مدن كبيرة مثل البصرة وبغداد والموصل التي كانت محتلة جزئيا في الايام الاخيرة. وهذا يدل على مدى صعوبة وغلاء اعادة اعمار العراق في الوقت الذي يشهد فيه البلاد اعمال النهب على نطاق واسع، مما يخرّب مباني عامة ومصانع حكومية وشبكات الطاقة ومرافق المياه. فقد نهب اللصوص اجهزة لضخ المياه واسلاكا لمحطات لتوليد الطاقة ومكيفات هواء ومحركات. ولم ينجُ من النهب الا بعض الشركات الخاصة والمستشفيات التي يحرسها موظفوها.
ودعا العسكريون البريطانيون في ام قصر واعضاء البلدية الجديدة الناس الى التحلّي بالصبر. ويرأس البلدية معلم اللغة الانجليزية (نجم عبد) الذي قدم وعدة مواطنين بارزين آخرين أنفسهم للسلطات البريطانية بعد الاستيلاء على المدينة. يُذكر ان كثيرين من اعضاء البلدية الجديدة هم تلامذة سابقون للاستاذ نجم. وقال عبد في حديث الى اذاعتنا انه يدعو سكان المدينة الى الانتظار عدة اسابيع ريثما يحل مستقبل احسن، وذلك بعد عقود من المصاعب الاقتصادية في ظل صدام.
(معظم سكان المدينة امّيون ويعتقدون ان لدينا عصا سحرية. لكننا لا نملكها. لذا علينا ان نصبر. لقد كنا صابرين مدة 35 سنة اثناء حكم صدام، فيمكن للناس ان يصبروا 35 يوما على الاقل).
ومنح الحاكمُ العسكري البريطاني الاستاذَ نجم والبلدية الجديدة صلاحيات واسعة للتفاوض مع وكالات الاغاثة بخصوص الجهود الرامية الى اعادة الاعمار على مستوى محلي.
--- فاصل ---
لكن ليس من الواضح الى أي مدى ستطبّق ادارة التحالف تجربة ام قصر على مدن اخرى في التعامل مع الشخصيات. كما يبقى دون جواب السؤال الى أي مدى يمكن لقوات التحالف التعاون مع البعثيين؟ أم هل يتعين عليها ممارسة سياسة التطهير ضدهم، كما حدث ذلك مع النازيين في المانيا بعد الحرب العالمية الثانية؟ لكن ما يعقد هذه المسألة ان العضوية في حزب البعث كانت شرطا من اجل احتلال المناصب الادارية العالية والمتوسطة. الا ان الولاء للحزب اختلف من شخص الى شخص.
عبد وهو عضو مُحبَط في الحزب يقول ان العضوية كانت ضرورية لجميع الموظفين الحكوميين تقريبا.
(كل اصناف الشرطة والجنود والمعلمين والعمال والمزارعين، اضافة الى كل من له وظيفة حكومية، كان يجب ان ينتمي الى البعث).
اما الآن فان معلم اللغة الانجليزية اللطيف المعشر مكلَّف قيادة سلطات التحالف عبر متاهات السياسة المحلية في الوقت الذي تسعى فيه الادارة الجديدة الى الحصول على حلفاء ذوي قدرة وموثوق بهم. الا ان قرار التحالف منح السلطة الى ناس غير منتخبين يحمل في طياته خطر ان يفضّلوا اصدقاءهم على غيرهم، واذا اتضح ان هؤلاء الاصدقاء ليسوا سياسيين محنكين فان ذلك قد يولّد غضبا وحسدا ضدهم وضد سلطات التحالف. وكان من المتوقع ان تجتمع البعثة الاولى من افراد الشرطة العراقية الجديدة في ام قصر مع السلطات البريطانية يوم امس في اطار جهود رامية الى اعادة الامن. يُذكر ان اعضاء البعثة البالغ عددهم 20 شخصا، هم ضباط شرطة سابقون ومدنيون عاديون، تم تعيينهم من قبل البلدية. يدرس عبد تعيين قاض في محكمة المدينة يعتقد انه انسان نزيه.
وهناك سؤال آخر يتعلق بالدور الذي قد تلعبه المعارضة العراقية في المنفى في ادارة البلاد. ومن المتوقع ان تعقد المعارضة اول لقاء في جنوب العراق نهاية هذا الاسبوع. لكن الادارة الاميركية لم تَعِدْ المعارضة العراقية بدور حتى الآن. واشنطن اشارت الى ان المعارضة ستكون فقط صوتا من الاصوات الكثيرة التي تستمع اليها الادارة الاميركية فيها يخص ترتيب العراق في فترة ما بعد صدام.
وهناك منافسة محتملة في العراق، الامر الذي يعقّد الجهود من اجل اعادة اعمار البلاد، ودل على ذلك اغتيال مرجعين دينيين بارزين في النجف في وقت سابق من هذا الاسبوع. وقد اثارت هذه الجريمة موجة من الاتهامات مفادها انهما قُتلا على يد انصار لزعماء دينيين متنافسين. وكان عبد المجيد الخوئي الذي عاد الى النجف من لندن الاسبوع الماضي، احدى الضحيتين، اما القتيل الثاني فقد كان زعميا دينيا محليا مكروها بسبب علاقته بنظام صدام حسين. وقد ظهر الاثنان سوية في مكان علني في اشارة الى مصالحة.