قادت فرنسا خلال الشهور القليلة الماضية الجهود الدبلوماسية المعارضة لعمل عسكري يستهدف إطاحة صدام حسين. وبسبب تلك المعارضة، أصبحت فرنسا في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة التي حشدت نحو ربع مليون عسكري من قواتها في منطقة الخليج استعدادا لمهاجمة العراق.
وفي الأسبوع الحالي، هدّد الرئيس الفرنسي جاك شيراك باستخدام حق النقض (الفيتو) الذي تتمتع به بلاده في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وذلك لمنع صدور قرار دولي جديد يخوّل واشنطن استخدام القوة العسكرية ضد بغداد. هذا فيما تُظهر استطلاعات الرأي العام في فرنسا أن أكثر من ثمانين في المائة من الفرنسيين يوافقون على سياسة شيراك. كما أن هذه السياسة تحظى أيضا بتأييد معظم السياسيين والمحللين وأجهزة الإعلام في فرنسا. لكن ذلك لا يعني عدم وجود بعض الأصوات الفرنسية المنتقدة لسياسة شيراك تجاه القضية العراقية.
وفي التقرير الذي أعده حول هذا الموضوع، يشير مراسل إذاعة أوربا الحرة / إذاعة الحرية في باريس (جويل بلوكر) إلى أن وجود عدد قليل فقط من الأصوات الاستثنائية المنتقدة يظهر في الواقع مدى الدعم الواسع، بين صفوف الشعب والبرلمان وفي أوساط الخبراء، لموقف الحكومة الفرنسية.
يشار في هذا الصدد إلى أن نتائج عدد من استطلاعات الرأي العام التي جرت خلال الشهور الماضية تُظهر أن أكثر من أربعةٍ من كل خمسة مواطنين فرنسيين يعارضون أي عمل عسكري ضد العراق. وقد ارتفعت هذه النسبة بعض الشيء خلال الأسابيع الأخيرة.
--- فاصل ---
التقرير يضيف أن عددا قليلا من أعضاء التجمع السياسي بزعامة شيراك في البرلمان الفرنسي (الاتحاد من أجل أغلبية رئاسية) أعربوا خلال جلسة لمناقشة السياسة الحكومية تجاه العراق في أواخر الشهر الماضي عن شكوكهم حول حكمة استخدام الفيتو في مجلس الأمن لمنع صدور قرار دولي جديد. لكنهم أعربوا عن هذه الشكوك بلغة معتدلة وأحيانا غامضة. كما لم يتم التصويت على موقف الحكومة في نهاية الجلسة البرلمانية.
أما أعضاء الحزب الاشتراكي والمعارضون الآخرون لحكومة شيراك المحافظة فقد أعربوا عن تأييدهم المطلق لسياسة حكومته تجاه العراق. ولم يكن الاستثناء الوحيد سوى الوزير الاشتراكي السابق (برنار كوشنير) الذي شغل لاحقا منصب أول مفوض سامي للأمم المتحدة في كوسوفو. فعلى الرغم من انتقاده لدبلوماسية الولايات المتحدة وأساليبها، وصف (كوشنير) الهجوم المحتمل على نظام صدام حسين بأنه "حرب عادلة" من شأنها إسقاط طاغية مسؤولٍ عن موت عشرات الآلاف من أبناء شعبه.
من جهتها، تبدي أجهزة الإعلام الفرنسية تأييدا لسياسة شيراك تجاه الأزمة العراقية. كما أن معظم المعلقين السياسيين أعربوا عن دعمهم لهذه السياسة باستثناء القلة من المحللين، ومن أبرزهم (جان فرانسوا ريفَل) الذي تناول كتابه الأخير تاريخ المشاعر المناوئة لأميركا في فرنسا. أما في البرامج الإذاعية التي تتضمن مكالمات المستمعين أو في الرسائل التي يبعثها القراء إلى الصحف أو في الافتتاحيات فمن النادر جدا أن يطلع المرء على انتقاداتٍ لموقف الحكومة الفرنسية من الأزمة العراقية.
ويشير بعض المحللين الفرنسيين إلى أن الآراء المنتقدة لسياسية شيراك نادرا ما ظهرت منذ كانون الثاني الماضي حينما اتخذ الرئيس الفرنسي قرارا بمعارضة جميع أشكال العمل العسكري ضد بغداد.
لكن الإعلام الفرنسي غالبا ما نشر في السابق مقالات وتحليلات تنتقد الاستراتيجية الأميركية وتكتيكاتها. أحد المحللين المعتدلين الذين يعربون عن هذه النظرة هو (إيف بوييه)، نائب مدير مؤسسة البحوث الاسترايتجية في باريس.
وفي مقابلة مع إذاعة أوربا الحرة / إذاعة الحرية، تساءل (بوييه) عن الأهداف الحقيقية للحرب المحتملة ضد العراق.
بوييه:
"هل بالإمكان التوصل إلى إجماع دولي بشأن الأزمة العراقية؟ ينبغي عليّ القول ببعض القسوة بأن الولايات المتحدة نادرا ما أظهرت سابقا موقفا إيديولوجيا، ومتذبذبا في الوقت نفسه، فيما يتعلق بأهداف الحرب. في الحقيقة، ما هو هدف الحرب الحالية؟ هل يتعلق الأمر بتدمير أسلحة العراق للدمار الشامل؟ أم أنها حول تغيير النظام؟ أم أنها تتعلق بإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط بدءا بالعراق على نموذج الديمقراطية الغربية؟ باختصار فإن الموضوع كان تمرينا في (الهندسة المتقلبة) للولايات المتحدة والتي تتغير وفقا للظروف السائدة".
المحلل الفرنسي (بوييه) انتقد أيضا الصحافة البريطانية والأميركية بسبب ما يعتبره ازدراء من قبلها أو عدم فهم للموقف الفرنسي تجاه العراق. لكنه لم يُعلّق على الانتقادات الصحفية الفرنسية شديدة اللهجة لسياسة الولايات المتحدة سوى بالقول "إنها أمر طبيعي أثناء الأزمات الساخنة"، بحسب تعبيره.
--- فاصل ---
محلل فرنسي آخر تحدث لإذاعة أوربا الحرة / إذاعة الحرية عما يراها القضايا الرئيسية في اختلاف وجهات النظر الفرنسية والأوربية.
المحلل (أيتيان دو دوران)، من معهد السياسة الخارجية الفرنسية في باريس، أشار إلى أن الأزمة الراهنة بدأت رسميا حينما ألقى الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش خطابه في الأمم المتحدة في أيلول 2002.
دو دوران:
"حينما يفكر المرء بما جرى في الشهور الماضية، سوف يتضح أن الأزمة بدأت بشكل رسمي عندما ألقى الرئيس الأميركي خطابه في الأمم المتحدة في أيلول 2002، على الرغم من أن التحضير جرى قبل ذلك التاريخ وقد بدأ فعليا بخطاب حالة الاتحاد في كانون الثاني 2002. وأعتقد أنه يمكن القول بأن الدبلوماسية الفرنسية، شأنها شأن الدبلوماسية الأميركية، ارتكبت العديد من الأخطاء منذ ذلك الوقت".
وفي حديثه عن تلك الأخطاء، أضاف المحلل الفرنسي (دو دوران) قائلا:
"كان الأمر يتعلق أولا بالتوقيت الخاطئ. ففي فرنسا، في ربيع عام 2002، وكذلك في ألمانيا، كانت المشاكل الانتخابية هي التي تستحوذ على الاهتمام الرئيسي. فالانتخابات الرئاسية في فرنسا، في نيسان وأيار 2002، لم تسِر على نحو جيد حينما تم اختيار زعيم اليمين المتطرف جان-ماري لوبان ليكون في مواجهة شيراك. وقد انشغلت عدة أوساط فرنسية بهذا الأمر، خاصة على مستوى القياديين. وبعبارات أخرى، من حيث التقويم الزمني الأميركي، كانت فرنسا وألمانيا خلف الولايات المتحدة بستة أشهر فيما يتعلق بالشأن العراقي. ولكن عندما بدأ الأميركيون يقومون باتصالات دبلوماسية بشأن ما يريدون عمله في العراق مع الأوربيين في الربيع الماضي، ربيع 2002، لم يكن الفرنسيون مستعدين في تلك اللحظة للمشاركة في تلك المناقشات. فهم أساسا لم يكونوا يعرفون من سيكون الرئيس الفرنسي المقبل أو السياسة المستقبلية لبلادهم أو حتى تركيبة البرلمان السياسية. أما المستشار الألماني غيرهارد شرودر فقد كان منشغلا هو الآخر بمساعي إعادة انتخابه، على الرغم من فوزه في نهاية المطاف ولكن بأغلبية ضئيلة. وهذا ما يفسر السبب الذي حدا بهاتين الدولتين أن يكون لهما رد فعل متأخر على وجهات النظر الأميركية إزاء العراق".
المحلل الفرنسي (دو دوران) أشار في المقابلة مع إذاعة أوربا الحرة / إذاعة الحرية إلى أن فرنسا تعاونت مع الولايات المتحدة في تشرين الثاني الماضي عند صياغة قرار مجلس الأمن المرقم 1441 بشأن العراق. وقد تضمن ذلك القرار عبارة "العواقب الوخيمة" في حال عدم قيام نظام صدام بنزع أسلحته المحظورة.
لكنه ذكر أن كلا من باريس وواشنطن فسّرت ذلك القرار بما يتناسب مع وجهة نظرها. وأوضح أن شيراك توصل إلى الموقف الفرنسي الذي حدّده وأعلن عنه بين تشرين الثاني الماضي وكانون الثاني من العام الحالي. ووصف المحلل (دو دوران) هذا التاريخ بأنه "فترة زمنية فاصلة" مهمة بين باريس وواشنطن.
--- فاصل ---
مراسل إذاعة أوربا الحرة / إذاعة الحرية في باريس ينقل عن المحلل الفرنسي (دو دوران) توضيحه لهذه الفترة الزمنية الفاصلة بالقول لو أن فرنسا أبلغت الولايات المتحدة بمعارضتها الحالية للحرب مع العراق في منتصف العام الماضي، لربما أعدلت واشنطن عن عرض القضية على الأمم المتحدة. ولو حصل ذلك، فهو يعتقد أنه كان بالإمكان تجنب النزاع الدبلوماسي الحالي بين الدولتين أو الأزمات المختلفة التي نشأت في الاتحاد الأوربي وحلف شمال الأطلسي، إضافة إلى هيئة الأمم المتحدة. فكل تلك الاختلافات في وجهات النظر "لم تكن حقا ضرورية"، على حد تعبيره.
وفيما يتعلق بالخلافات داخل حلف شمال الأطلسي، يعتقد المحلل (دو دوران) أن التحالف سوف يتجاوزها على الأرجح وذلك لأن لدى (الناتو) دورا سياسيا وعسكريا يتعين عليه أن يستمر في ممارسته.
أما بخصوص الأمم المتحدة، فهو يرى أيضا أن المنظمة الدولية سوف تتمكن من تجاوز تداعيات الأزمة العراقية الراهنة. وفي هذا الصدد، يشير إلى أن مجلس الأمن لم يلعب دورا مهما أثناء فترة الحرب الباردة التي استمرت خمسة وأربعين عاما. ولما أصبح دوره ضروريا في حرب كوسوفو، فإن الولايات المتحدة وحلفاءها في حلف شمال الأطلسي تجنبوا مجلس الأمن لخشيتهم من الفيتو الروسي، بحسب ما نقل عنه.
وفي الأسبوع الحالي، هدّد الرئيس الفرنسي جاك شيراك باستخدام حق النقض (الفيتو) الذي تتمتع به بلاده في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وذلك لمنع صدور قرار دولي جديد يخوّل واشنطن استخدام القوة العسكرية ضد بغداد. هذا فيما تُظهر استطلاعات الرأي العام في فرنسا أن أكثر من ثمانين في المائة من الفرنسيين يوافقون على سياسة شيراك. كما أن هذه السياسة تحظى أيضا بتأييد معظم السياسيين والمحللين وأجهزة الإعلام في فرنسا. لكن ذلك لا يعني عدم وجود بعض الأصوات الفرنسية المنتقدة لسياسة شيراك تجاه القضية العراقية.
وفي التقرير الذي أعده حول هذا الموضوع، يشير مراسل إذاعة أوربا الحرة / إذاعة الحرية في باريس (جويل بلوكر) إلى أن وجود عدد قليل فقط من الأصوات الاستثنائية المنتقدة يظهر في الواقع مدى الدعم الواسع، بين صفوف الشعب والبرلمان وفي أوساط الخبراء، لموقف الحكومة الفرنسية.
يشار في هذا الصدد إلى أن نتائج عدد من استطلاعات الرأي العام التي جرت خلال الشهور الماضية تُظهر أن أكثر من أربعةٍ من كل خمسة مواطنين فرنسيين يعارضون أي عمل عسكري ضد العراق. وقد ارتفعت هذه النسبة بعض الشيء خلال الأسابيع الأخيرة.
--- فاصل ---
التقرير يضيف أن عددا قليلا من أعضاء التجمع السياسي بزعامة شيراك في البرلمان الفرنسي (الاتحاد من أجل أغلبية رئاسية) أعربوا خلال جلسة لمناقشة السياسة الحكومية تجاه العراق في أواخر الشهر الماضي عن شكوكهم حول حكمة استخدام الفيتو في مجلس الأمن لمنع صدور قرار دولي جديد. لكنهم أعربوا عن هذه الشكوك بلغة معتدلة وأحيانا غامضة. كما لم يتم التصويت على موقف الحكومة في نهاية الجلسة البرلمانية.
أما أعضاء الحزب الاشتراكي والمعارضون الآخرون لحكومة شيراك المحافظة فقد أعربوا عن تأييدهم المطلق لسياسة حكومته تجاه العراق. ولم يكن الاستثناء الوحيد سوى الوزير الاشتراكي السابق (برنار كوشنير) الذي شغل لاحقا منصب أول مفوض سامي للأمم المتحدة في كوسوفو. فعلى الرغم من انتقاده لدبلوماسية الولايات المتحدة وأساليبها، وصف (كوشنير) الهجوم المحتمل على نظام صدام حسين بأنه "حرب عادلة" من شأنها إسقاط طاغية مسؤولٍ عن موت عشرات الآلاف من أبناء شعبه.
من جهتها، تبدي أجهزة الإعلام الفرنسية تأييدا لسياسة شيراك تجاه الأزمة العراقية. كما أن معظم المعلقين السياسيين أعربوا عن دعمهم لهذه السياسة باستثناء القلة من المحللين، ومن أبرزهم (جان فرانسوا ريفَل) الذي تناول كتابه الأخير تاريخ المشاعر المناوئة لأميركا في فرنسا. أما في البرامج الإذاعية التي تتضمن مكالمات المستمعين أو في الرسائل التي يبعثها القراء إلى الصحف أو في الافتتاحيات فمن النادر جدا أن يطلع المرء على انتقاداتٍ لموقف الحكومة الفرنسية من الأزمة العراقية.
ويشير بعض المحللين الفرنسيين إلى أن الآراء المنتقدة لسياسية شيراك نادرا ما ظهرت منذ كانون الثاني الماضي حينما اتخذ الرئيس الفرنسي قرارا بمعارضة جميع أشكال العمل العسكري ضد بغداد.
لكن الإعلام الفرنسي غالبا ما نشر في السابق مقالات وتحليلات تنتقد الاستراتيجية الأميركية وتكتيكاتها. أحد المحللين المعتدلين الذين يعربون عن هذه النظرة هو (إيف بوييه)، نائب مدير مؤسسة البحوث الاسترايتجية في باريس.
وفي مقابلة مع إذاعة أوربا الحرة / إذاعة الحرية، تساءل (بوييه) عن الأهداف الحقيقية للحرب المحتملة ضد العراق.
بوييه:
"هل بالإمكان التوصل إلى إجماع دولي بشأن الأزمة العراقية؟ ينبغي عليّ القول ببعض القسوة بأن الولايات المتحدة نادرا ما أظهرت سابقا موقفا إيديولوجيا، ومتذبذبا في الوقت نفسه، فيما يتعلق بأهداف الحرب. في الحقيقة، ما هو هدف الحرب الحالية؟ هل يتعلق الأمر بتدمير أسلحة العراق للدمار الشامل؟ أم أنها حول تغيير النظام؟ أم أنها تتعلق بإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط بدءا بالعراق على نموذج الديمقراطية الغربية؟ باختصار فإن الموضوع كان تمرينا في (الهندسة المتقلبة) للولايات المتحدة والتي تتغير وفقا للظروف السائدة".
المحلل الفرنسي (بوييه) انتقد أيضا الصحافة البريطانية والأميركية بسبب ما يعتبره ازدراء من قبلها أو عدم فهم للموقف الفرنسي تجاه العراق. لكنه لم يُعلّق على الانتقادات الصحفية الفرنسية شديدة اللهجة لسياسة الولايات المتحدة سوى بالقول "إنها أمر طبيعي أثناء الأزمات الساخنة"، بحسب تعبيره.
--- فاصل ---
محلل فرنسي آخر تحدث لإذاعة أوربا الحرة / إذاعة الحرية عما يراها القضايا الرئيسية في اختلاف وجهات النظر الفرنسية والأوربية.
المحلل (أيتيان دو دوران)، من معهد السياسة الخارجية الفرنسية في باريس، أشار إلى أن الأزمة الراهنة بدأت رسميا حينما ألقى الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش خطابه في الأمم المتحدة في أيلول 2002.
دو دوران:
"حينما يفكر المرء بما جرى في الشهور الماضية، سوف يتضح أن الأزمة بدأت بشكل رسمي عندما ألقى الرئيس الأميركي خطابه في الأمم المتحدة في أيلول 2002، على الرغم من أن التحضير جرى قبل ذلك التاريخ وقد بدأ فعليا بخطاب حالة الاتحاد في كانون الثاني 2002. وأعتقد أنه يمكن القول بأن الدبلوماسية الفرنسية، شأنها شأن الدبلوماسية الأميركية، ارتكبت العديد من الأخطاء منذ ذلك الوقت".
وفي حديثه عن تلك الأخطاء، أضاف المحلل الفرنسي (دو دوران) قائلا:
"كان الأمر يتعلق أولا بالتوقيت الخاطئ. ففي فرنسا، في ربيع عام 2002، وكذلك في ألمانيا، كانت المشاكل الانتخابية هي التي تستحوذ على الاهتمام الرئيسي. فالانتخابات الرئاسية في فرنسا، في نيسان وأيار 2002، لم تسِر على نحو جيد حينما تم اختيار زعيم اليمين المتطرف جان-ماري لوبان ليكون في مواجهة شيراك. وقد انشغلت عدة أوساط فرنسية بهذا الأمر، خاصة على مستوى القياديين. وبعبارات أخرى، من حيث التقويم الزمني الأميركي، كانت فرنسا وألمانيا خلف الولايات المتحدة بستة أشهر فيما يتعلق بالشأن العراقي. ولكن عندما بدأ الأميركيون يقومون باتصالات دبلوماسية بشأن ما يريدون عمله في العراق مع الأوربيين في الربيع الماضي، ربيع 2002، لم يكن الفرنسيون مستعدين في تلك اللحظة للمشاركة في تلك المناقشات. فهم أساسا لم يكونوا يعرفون من سيكون الرئيس الفرنسي المقبل أو السياسة المستقبلية لبلادهم أو حتى تركيبة البرلمان السياسية. أما المستشار الألماني غيرهارد شرودر فقد كان منشغلا هو الآخر بمساعي إعادة انتخابه، على الرغم من فوزه في نهاية المطاف ولكن بأغلبية ضئيلة. وهذا ما يفسر السبب الذي حدا بهاتين الدولتين أن يكون لهما رد فعل متأخر على وجهات النظر الأميركية إزاء العراق".
المحلل الفرنسي (دو دوران) أشار في المقابلة مع إذاعة أوربا الحرة / إذاعة الحرية إلى أن فرنسا تعاونت مع الولايات المتحدة في تشرين الثاني الماضي عند صياغة قرار مجلس الأمن المرقم 1441 بشأن العراق. وقد تضمن ذلك القرار عبارة "العواقب الوخيمة" في حال عدم قيام نظام صدام بنزع أسلحته المحظورة.
لكنه ذكر أن كلا من باريس وواشنطن فسّرت ذلك القرار بما يتناسب مع وجهة نظرها. وأوضح أن شيراك توصل إلى الموقف الفرنسي الذي حدّده وأعلن عنه بين تشرين الثاني الماضي وكانون الثاني من العام الحالي. ووصف المحلل (دو دوران) هذا التاريخ بأنه "فترة زمنية فاصلة" مهمة بين باريس وواشنطن.
--- فاصل ---
مراسل إذاعة أوربا الحرة / إذاعة الحرية في باريس ينقل عن المحلل الفرنسي (دو دوران) توضيحه لهذه الفترة الزمنية الفاصلة بالقول لو أن فرنسا أبلغت الولايات المتحدة بمعارضتها الحالية للحرب مع العراق في منتصف العام الماضي، لربما أعدلت واشنطن عن عرض القضية على الأمم المتحدة. ولو حصل ذلك، فهو يعتقد أنه كان بالإمكان تجنب النزاع الدبلوماسي الحالي بين الدولتين أو الأزمات المختلفة التي نشأت في الاتحاد الأوربي وحلف شمال الأطلسي، إضافة إلى هيئة الأمم المتحدة. فكل تلك الاختلافات في وجهات النظر "لم تكن حقا ضرورية"، على حد تعبيره.
وفيما يتعلق بالخلافات داخل حلف شمال الأطلسي، يعتقد المحلل (دو دوران) أن التحالف سوف يتجاوزها على الأرجح وذلك لأن لدى (الناتو) دورا سياسيا وعسكريا يتعين عليه أن يستمر في ممارسته.
أما بخصوص الأمم المتحدة، فهو يرى أيضا أن المنظمة الدولية سوف تتمكن من تجاوز تداعيات الأزمة العراقية الراهنة. وفي هذا الصدد، يشير إلى أن مجلس الأمن لم يلعب دورا مهما أثناء فترة الحرب الباردة التي استمرت خمسة وأربعين عاما. ولما أصبح دوره ضروريا في حرب كوسوفو، فإن الولايات المتحدة وحلفاءها في حلف شمال الأطلسي تجنبوا مجلس الأمن لخشيتهم من الفيتو الروسي، بحسب ما نقل عنه.