يـَـــتعـــمّـــقُ الوعيُ العام بأهمية محاربة الإرهاب من خلال إستراتيجية لا تُـــعوّل على القوة العسكرية فحسب بل تتكامَلُ مع الجوانب الثقافية والإعلامية من أجل ردع انتشار الأفكار المتطرفة في المجتمع.
ومن هذا المنطلق، جاءت دعوةُ مؤتمر التحالف الدولي للاتصال الذي استضافته الكويت الاثنين (27 تشرين الأول) بمشاركة 14 دولة إلى تعزيز التعاون في مجال الاتصالات العامة للقضاء على ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية ومحاربة التطرف داخل المنطقة وخارج حدودها.
الولاياتُ المتحدة الأميركية مُـــمثّـــلـــةً بوفدٍ ضــــمّ الجنرال المتقاعد جون آلن منسّق التحالف الدولي شاركت في أعمال المؤتمر إلى جانب الكويت ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى (السعودية والإمارت وعُمان وقطر والبحرين) بالإضافة إلى العراق والأردن ومصر ولبنان وفرنسا وبريطانيا وتركيا.
وأشار البيان المشترك الصادر عن المؤتمر إلى تأكيد الكويت خلال استضافتها أخيراً مؤتمر وزراء الإعلام الخليجيين حاجة شركاء التحالف الى العمل "على المستوييْن الفردي والجماعي لفضح حقيقة تنظيم داعش التدميرية وطبيعته البربرية." ونقل عن الجنرال آلن تجديده لرؤية الرئيس الأميركي باراك أوباما المتعلقة بالقضاء على آلية داعش الإعلامية والجهود المشتركة لوضع رؤية إيجابية تناقض إيديولوجية هذا التنظيم القائمة على الكراهية والعنف.
البيان أوضح أن شركاء التحالف بحثوا الخطوات التي اتخذتها حكوماتهم لتقوية مقومات المجتمعات تجاه رسائل داعش المتطرفة والتي تتضمن تكثيف الانخراط في التعامل مع الأحداث البارزة وتطوير برامج التبادل والتدريب وغيرها من برامج التعاون لقادة الحكومات والناطقين باسمها الى جانب مناهضة تجنيد المحاربين الإجانب بكل فعالية. كما شدد المجتمعون على أهمية تشجيع علماء الدين وقادة المجتمع المدني وأصحاب الرأي والشباب الرافضين للتطرف على إيصال أصواتهم عبر أجهزة الإعلام التقليدية ووسائل التواصل الاجتماعي.
وجاء في البيان أن شركاء التحالف أكدوا أيضاً التزامهم بقراريْ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (2170) و (2178) وعزمهم على مواصلة وتعميق الحوار فيما يتعلق بمناهضة تنظيم الدولة (داعش) عبر وسائل الاتصال وعقد جلسة أخرى للمتابعة في المستقبل القريب، بحسب ما نقلت عنه وكالة الأنباء الكويتية الرسمية (كونا).
وفي تصريحاتٍ أدلى بها للصحافيين إثر انتهاء المؤتمر، قال وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون الدبلوماسية والشؤون العامة ريتشارد ستنغل إن الحدّ من انضمام المقاتلين الأجانب لداعش مسألة مشتركة بين جميع الشركاء والحلفاء مضيفاً ان المشاركين في الاجتماع ركزوا على "التقنيات الفعالة لوقف تجنيد المقاتلين الأجانب مع داعش وعلى كيفية وقف اجتذاب التنظيم لهم". واعتبر أن إيران "من اللاعبين الأساسيين في المنطقة ولدينا مصالح مختلفة معها حول السيطرة على داعش" مؤكداً "الترحيب بكل الأطراف التي تريد المشاركة معنا في التحالف الدولي في هذه المرحلة للحدّ من الاعمال الارهابية التي يمارسها داعش"، بحسب تعبيره.
كما نقلت (كونا) عنه القول إن العمل المشترك في ساحة القتال لابد من تعزيزه بإضافة العمل في مجال الفضاء الالكتروني حيث "نجحنا في اجتماع اليوم في التوصل الى اتفاق ونقاط مشتركة بين الدول المشاركة خصوصاً وأننا نواجه عدواً مشتركاً يهدد أمن المنطقة".
فيما أبرزت وكالة رويترز للأنباء ما قاله الجنرال آلن خلال المؤتمر إن وكلاء داعش العاملين عبر شبكة الإنترنت "يقدمون أنفسهم على أنهم ممثلون حقيقيون ومنتصرون للإسلام" معرباً عن اعتقاده بأن "كل دولة شريكة في التحالف لديها دور فريد وحيوي في هدم تلك الصورة بما يتماشى مع ثقافتها ودينها وأعرافها المحلية." كما حضّ آلن الدول المشاركة في الاجتماع بقوة على صياغة خطط عمل تقضي على آلة تنظيم الدولة الإسلامية الإعلامية في الصحف والفضاء الإلكتروني "بشكل مباشر وسريع".
أما وكالة فرانس برس للأنباء فقد أشارت في عرضها لتصريحات منسق التحالف الدولي إلى مشاعر الحكومات الغربية بالقلق بشكلٍ خاص من تأثير إعلام داعش على الشباب المسلمين الذين يدعوهم التنظيم الى مهاجمة أهداف غربية سيما وأن الدعاية التي ينشرونها تستقطب مواطنين من الولايات المتحدة وأوروبا. وفي هذا الصدد، نقلت عن آلن قوله إن "التهديد الذي يشكله تنظيم الدولة الإسلامية يتطلب مقاربة شاملة ومنسقة على المستويات الدولية والإقليمية والمحلية، وذلك عبر دمج العمل العسكري وتطبيق القانون والاستخبارات والوسائل الاقتصادية والدبلوماسية ."
وفي تعليقه على أهمية المؤتمر، قال الأكاديمي والمحلل السياسي الكويتي الدكتور فهد المكراد لإذاعة العراق الحر "تنظيم داعش لديه إمكانيات إعلامية يستخدمها عبر شبكة الإنترنت لاستقطاب الكثير من الشباب في العالم، ولذلك استضافت الكويت الدول الأعضاء في التحالف الدولي لمناقشة كيفية مواجهة ومحاربة الوسائل الإعلامية التي يتخذ منها هذا التنظيم مدخلاً للتأثير في الفكر الديني والجهادي في عقول الشباب."
وفي مقابلة أجريتها عبر الهاتف ويمكن الاستماع إليها في الملف الصوتي، تحدث المكراد عن موضوعات أخرى ذات صلة بضرورة تكامل إستراتيجية محاربة الإرهاب بجوانبها العسكرية والسياسية والثقافية والإعلامية.
من جهته، اعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد الدكتور علي الجبوري أن إدراك دول التحالف لأهمية محاربة داعش فكرياً على نحوِ ما تجلّى في مؤتمر الكويت "أمر إيجابي رغم أنه جاء متأخراً". وأضاف أن "الجانب الإعلامي مهم ومؤثر خصوصاً إذا ما تحدثنا عن مكافحة جماعات إرهابية بدأت الآن تخترق الحدود بشكل كبير مع إعلانها صراحةً أن مشروعها يستهدف تقريباً كل دول المنطقة إذ أن شعار الخلافة الإسلامية يتضمن هذه الدول جميعاً..".
وفي المقابلة التي يمكن الاستماع إليها في الملف الصوتي، أجاب الجبوري عن سؤالين آخرين يتعلق أحدهما بمخاطر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من قبل التنظيمات المتطرفة للتأثير في الشباب والثاني حول سُبل تعبئة القطاعات الإعلامية والثقافية والتعليمية في المجتمع من أجل تحصين الفئات العمرية الأكثر عرضة للتأثّـــر بالأفكار المتطرفة.
مزيد من التفاصيل في الملف الصوتي الذي يتضمن مقابلتين مع الأكاديمي والمحلل السياسي الكويتي د. فهد المكراد وأستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد د. علي الجبوري.