ما بين براغ التي أطالت الشوط من عمره... وبغداد "دجلة الخير" والأزمات والمرارة في آن، حطّ الجواهري ركابه في النصف الثاني من السبعينات الماضية، في أثينا، مستأجراً شقيقةً متواضعة دون حدود، ولكن أهم ما عندها من مغريات وقوعها على ساحل البحر مباشرة، وذلك هو الأحب لدى شاعرنا التوّاق والطامح لمزيد من الإيحاء...
ومن يعرف الجواهري عن قرب، يعرف انه عاشق أبدي للأنهر والبحار، سواحل وتدفقاً وضفافاً، وعلى مدى عقود حياته المديدة: وتلكم هي بارزة الشواهد ذات الصلة في ديوانه عن رافدي العراق، ونيل القاهرة، وبردى دمشق، وفلتافا براغ ، وسواحل ابي ظبي والجزائر وطنجة، وفارنا، وغيرها، وفي روائع وصفت واستلهمت وأوحت بما لا يُزاحم على ما نظن...
سجا البحر وانداحت ضفافٌ ندية ولوح رضراض الحصى والجنادل
وفكت عرى عن موجة لصق موجة تماسك فيما بينها كالسلاسل
وسدت كوىً ظلت تسد خصاصها عيون ضباء أو عيون مطافل ِ
ولفّ الدجى في مُستجد غلالة ٍ سوى ما تردى قبلها من غلائل
سوى ما تردى من مفاتن سحرة وما جر منها من ذيول الأصائل
وما حمل "الاصباح" شرقاً إلى الضحى من الورق النَديان أشهى الرسائل
وفي مَقامة الجواهري، اليونانية، التي ندور حولها في هذه الإيقاعات والرؤى، نؤشر إلى ان اقامته في أثينا لم تكن إلا لفترات قصيرة ومتقطعة، اغتراباً عن الأحداث، وركوناً إلى النفس، وتمعناً في ما يزخر به فكر الشاعر الرمز: فلسفة في الحياة ووقائعها، والمشاغل الانسانية العامة.... وهناك وفي تلك العوالم، ولدت قصيدته الباهرة عام 1977 "سجا البحر" التي استمعنا إلى مطلعها قبل قليل... وقد جاءت تستلهم من البحر، وتترجم عنه المزيد من الموحيات والعبر
وهيمن صمت، فاستكنت حمائم، وقر على الأغصان شدو البلابل
تثاءب املود، ولمت حمائم ودب فتور في عروق الخمائل
وبدل لون من شتيت مخالف لما يتراءى او شبيه مماثل
كأن الدنى ملت تدني شخوصها بوضح السنا فاستبدلت بالمخايل
رؤى تستبيح الجن في صبواتها، بها ما يتبنى إنسيّها من هياكلِ
ثم تتنقل اللامية الصوفية ذات الثمانية والستين بيتاً، لتحدثنا عما جال في ذهن الجواهري من إلهام ومقارنات مع "صاحبه" البحر الهاديء – الهادر ، والعريق – الشبوبُ، والشامخ - المتباسط... وان جاءت الحال مناجاة ووصفاً ومناغاة
تنفس عميقاً أيها الشيخ لم يهن بجريٍ على فرط المدى المتطاول
ولم ينسهِ التياهُ من جبروته عناق الشواطي واحتضان الجداول
وما زاده إلا شموخاً وعزة تخطي شعوب ٍ فوقه وقبائل
عبدتك صوفيا يدين ضميره بما ذر فيه من قرون الدخائل
وعاطيتك النجوى معاطاة راهب ٍ مصيخ إلى همس من الغيب نازل
وناغاك قيثاري فلم تلف نغمتي نشازاً ولا لحني عليك بواغل ِ
كما نوثق في هذا السياق ان الجواهري قد كتب خلال فترة مقامته اليونانية مقطوعة أخرى، تحية للطلبة العراقيين الذين التقوه في أثينا، عام 1979 وكانت بعنوان: يا فتية الوطن الحبيب. وقد انقطع أمد تلك الإقامة لأسباب مالية، ليس إلا، إذ لم يستطع شاعر الأمة العراقية أن يوفر متطلبات إيجار الشقة الزهيد، فيما كانت البلاد تتراكم فيها ثروات الفورة النفطية آنذاك والبقية معروفة على ما نظن...
المزيد في الملف الصوتي
ألجواهري ... إيقاعات ورؤى
برنامج خاص عن محطات ومواقف فكرية واجتماعية ووطنية في حياة شاعر العراق والعرب الأكبر... مع مقتطفات لبعض قصائده التي تذاع بصوته لأول مرة... وثـّـقـهـا ويعرضها: رواء الجصاني، رئيس مركز ألجواهري الثقافي في براغ... يخرجها في حلقات أسبوعية ديار بامرني.
www.jawahiri.com
ومن يعرف الجواهري عن قرب، يعرف انه عاشق أبدي للأنهر والبحار، سواحل وتدفقاً وضفافاً، وعلى مدى عقود حياته المديدة: وتلكم هي بارزة الشواهد ذات الصلة في ديوانه عن رافدي العراق، ونيل القاهرة، وبردى دمشق، وفلتافا براغ ، وسواحل ابي ظبي والجزائر وطنجة، وفارنا، وغيرها، وفي روائع وصفت واستلهمت وأوحت بما لا يُزاحم على ما نظن...
سجا البحر وانداحت ضفافٌ ندية ولوح رضراض الحصى والجنادل
وفكت عرى عن موجة لصق موجة تماسك فيما بينها كالسلاسل
وسدت كوىً ظلت تسد خصاصها عيون ضباء أو عيون مطافل ِ
ولفّ الدجى في مُستجد غلالة ٍ سوى ما تردى قبلها من غلائل
سوى ما تردى من مفاتن سحرة وما جر منها من ذيول الأصائل
وما حمل "الاصباح" شرقاً إلى الضحى من الورق النَديان أشهى الرسائل
وفي مَقامة الجواهري، اليونانية، التي ندور حولها في هذه الإيقاعات والرؤى، نؤشر إلى ان اقامته في أثينا لم تكن إلا لفترات قصيرة ومتقطعة، اغتراباً عن الأحداث، وركوناً إلى النفس، وتمعناً في ما يزخر به فكر الشاعر الرمز: فلسفة في الحياة ووقائعها، والمشاغل الانسانية العامة.... وهناك وفي تلك العوالم، ولدت قصيدته الباهرة عام 1977 "سجا البحر" التي استمعنا إلى مطلعها قبل قليل... وقد جاءت تستلهم من البحر، وتترجم عنه المزيد من الموحيات والعبر
وهيمن صمت، فاستكنت حمائم، وقر على الأغصان شدو البلابل
تثاءب املود، ولمت حمائم ودب فتور في عروق الخمائل
وبدل لون من شتيت مخالف لما يتراءى او شبيه مماثل
كأن الدنى ملت تدني شخوصها بوضح السنا فاستبدلت بالمخايل
رؤى تستبيح الجن في صبواتها، بها ما يتبنى إنسيّها من هياكلِ
ثم تتنقل اللامية الصوفية ذات الثمانية والستين بيتاً، لتحدثنا عما جال في ذهن الجواهري من إلهام ومقارنات مع "صاحبه" البحر الهاديء – الهادر ، والعريق – الشبوبُ، والشامخ - المتباسط... وان جاءت الحال مناجاة ووصفاً ومناغاة
تنفس عميقاً أيها الشيخ لم يهن بجريٍ على فرط المدى المتطاول
ولم ينسهِ التياهُ من جبروته عناق الشواطي واحتضان الجداول
وما زاده إلا شموخاً وعزة تخطي شعوب ٍ فوقه وقبائل
عبدتك صوفيا يدين ضميره بما ذر فيه من قرون الدخائل
وعاطيتك النجوى معاطاة راهب ٍ مصيخ إلى همس من الغيب نازل
وناغاك قيثاري فلم تلف نغمتي نشازاً ولا لحني عليك بواغل ِ
كما نوثق في هذا السياق ان الجواهري قد كتب خلال فترة مقامته اليونانية مقطوعة أخرى، تحية للطلبة العراقيين الذين التقوه في أثينا، عام 1979 وكانت بعنوان: يا فتية الوطن الحبيب. وقد انقطع أمد تلك الإقامة لأسباب مالية، ليس إلا، إذ لم يستطع شاعر الأمة العراقية أن يوفر متطلبات إيجار الشقة الزهيد، فيما كانت البلاد تتراكم فيها ثروات الفورة النفطية آنذاك والبقية معروفة على ما نظن...
المزيد في الملف الصوتي
ألجواهري ... إيقاعات ورؤى
برنامج خاص عن محطات ومواقف فكرية واجتماعية ووطنية في حياة شاعر العراق والعرب الأكبر... مع مقتطفات لبعض قصائده التي تذاع بصوته لأول مرة... وثـّـقـهـا ويعرضها: رواء الجصاني، رئيس مركز ألجواهري الثقافي في براغ... يخرجها في حلقات أسبوعية ديار بامرني.
www.jawahiri.com