فان اعمال القتل والخطف والاغتصاب التي يرتكبها مسلحو داعش في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم أُدينت بوصفها جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية ، كما قالت منظمة العفو الدولية في احدث تقرير لها نُشر يوم الثلاثاء. واشار التقرير الى استهداف الأقليات المذهبية والقومية بصفة خاصة من مسيحيين وايزيديين وشبك وتركمان.
وأسفرت هذه الجرائم عن عمليات نزوح ضخمة هرباً من قطعان داعش وعربدتهم. وفي مواجهة هذا الوضع المأساوي والظروف الصعبة التي يعيشها النازحون أعلنت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة اطلاق واحدة من أكبر عمليات الاغاثة في تاريخ المفوضية بهدف إيصال المساعدات الانسانية الى أكثر من نصف مليون مواطن هجرتهم اعمال داعش من ديارهم.
وقال المتحدث باسم المفوضية ادريان ادوردز ان النازحين يعيشون في ظروف مزرية بلا مأوى مناسب ويكافحون من أجل توفير الغذاء والماء لأطفالهم وعائلاتهم فضلا عن حاجتهم الماسة الى العناية الطبية بأبسط اشكالها. واضاف المسؤول الدولي في معرض وصف الوضع انه "أزمة انسانية وكارثة كبيرة" .
ولكن امكانات الامم المتحدة والوكالات الدولية ذات العلاقة لا تتناسب مع حجم الكارثة وكثيرا ما تشكو هذه المنظمات من نقص الموارد المالية المتاحة بالمقارنة مع أعداد النازحين واللاجئين سواء في العراق أو بلدان اخرى ابتلت هي ايضاً بالارهاب والعنف الطائفي أو اشكال أخرى من النزاعات الأهلية.
ويتطلب التخفيف من معاناة النازحين جهودا استثنائية من المنظمات الانسانية المحلية التي تعرف خصوصيات وضع العراق وتكون أقرب الى الوقوف على احتياجات النازحين والمهجرين وأقدر على التعامل معها من الأجانب الذي يعملون في بيئة غريبة دافعهم الرئيسي هو العمل الانساني.
والحق ان مدن العراق من شماله الى جنوبه شهدت تحركاً واسعاً شاركت فيه منظمات غير حكومية وتجمعات أهلية فضلا عن مبادرات فردية. وفي هذا الشأن لاحظ المتحدث باسم وزارة حقوق الانسان كامل أمين ان منظمات المجتمع المدني المحلية قامت بجهود تستحق الثناء لمساعدة النازحين ولكن امكاناتها لا تضاهي امكانات منظمة مثل جمعية الهلال الحمر المدعومة ماليا من خزينة الدولة.
ونوه أمين بدور منظمات المجتمع المدني في عمليات الرصد والتوثيق التي اعتمدتها الوزارة ولكنه اضاف ان دورها في تقديم المعونات المباشرة كان محدودا بسبب حجم امكانياتها المتواضعة في حين ان المساهمة البارزة جاءت من التجمعات الأهلية والمؤسسات الدينية والأفراد.
وانتقد المتحدث باسم وزارة حقوق الانسان كامل أمين وزارة الهجرة والمهجرين قائلا ان تحركها كان "بطيئاً جداً" في التعامل مع احتياجات اللاجئين بعكس المبادرات الأهلية التي لها الأثر الكبير بسرعة تحركها لا سيما وان التعامل مع النازح يكون بالساعات وان نزوحه حدث على مراحل يقترن بها الخوف والقلق وليس الحاجات المادية وحدها.
واشار أمين الى عدم وجود ثقافة جمع التبرعات لتمويل اعمال الاغاثة والمساعدة عن طريق المنظمات غير الحكومية أو منظمات المجتمع المدني ومن هنا دورها المحدود بسبب نقص الامكانات في حين ان الأهالي يتوجهون عفويا الى اماكن تجمع النازحين للتبرع بالمال او المواد التموينية.
المتحدث باسم وزارة الهجرة والمهجرين ستار نوروز من جهته أكد ان المنظمات الدولية والمحلية على السواء كان لها دور كبير في دعم جهود الوزارة والتنسيق معها لإيصال معونات الاغاثة الى العائلات النازحة واشاد على الأخص بدور المرجعيات الدينية والعشائر والمواطنين كأفراد في تقديم العون سواء من خلال الوزارة او بصورة مباشرة.
واوضح نوروز ان التنسيق مع المنظمات الدولية مثل يونامي والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين وبرنامج الغذاء العالمي يجري عن طريق قسم خاص في وزارة الهجرة والمهجرين فيما تنسق الوزارة مع منظمات المجتمع المدني عن طريق الحكومات المحلية رغم بعض المعوقات.
رئيس جمعية الهلال الأحمر العراقية ياسين المعموري شدد على ان العمل الاغاثي عمل مهني بالأساس يتطلب مؤهلات متخصصة وان الحماسة التي اتسم بها تحرك منظمات المجتمع المدني والأهالي موقف نبيل لكنه لا يكفي لتنظيم عمليات الاغاثة التي تتطلب قيادة واحدة تحدد نوعية المساعدات المطلوب ايصالها للنازحين.
واشار المعموري الى ان منظمات المجتمع المدني حديثة العهد نسبياً في العراق وتنقصها الخبرة في هذا المجال وتحتاج الى الدعم لتطوير قدراتها المهنية بما يمكِّنها من النهوض بأعمال الاغاثة وفقاً للمعايير الدولية المتعارف عليها لتأتي رغبتها في المساعدة مسنودة بالمستوى المهني المنشود.
تستضيف محافظة دهوك في اقليم كردستان مئات آلاف اللاجئين الذين اصبحت إغاثتهم تشكل تحدياً واختباراً لدور منظمات المجتمع المدني في الطوارئ والأزمات الانسانية. والتقت اذاعة العراق الحر شوكت طه مدير منظمة "كوردس" المدنية في اقليم كردستان الذي أكد قيام المنظمات الأهلية بدور مهم في مساعدة اللاجئين بما في ذلك توفير الخيم المؤقتة والخيم شبه الدائمية مع المطابخ لتأمين الحد الأدنى من مستلزمات المعيشة.
ونبه طه الى ان دور المنظمات الأهلية لا يقتصر على تقديم المساعدات المادية من خيم ومواد غذائية وأدوية بل يشمل جانبا لا يقل أهمية هو توعية النازحين بالجوانب الصحية وتوعية سكان دهوك الذين زاد عدد النازحين على عددهم بضرورة تفهم اوضاع هؤلاء المنكوبين ومساعدتهم رغم العبء الذي يشكله وجودهم بهذه الأعداد الضخمة على موارد المحافظة وخدماتها.
تيلي صالح موسى المدير التنفيذي لمنظمة "نوجين" لدمقرطة العائلة قال ان هناك وفرة من منظمات المجتمع المدني وان بعضها يقوم بدور فاعل في جمع التبرعات والمواد وتوزيعها ولكن هذا الدور يبقى دون المستوى المطلوب.
ورأى استاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد حميد فاضل ان حجم الكارثة كان أكبر من قدرات منظمات المجتمع المدني بحيث لم يكن لها وجود يُعتد به فضلا عن ان قلة منها تؤدي عملا حقيقيا من بين آلاف المنظمات المسجلة.
ولكن الناشطة الحقوقية ورئيسة منظمة "الأمل" الانسانية هناء ادور اعتبرت ان منظمات المجتمع المدني قامت بدور مشرف في العمل على مساعدة النازحين باشكال متعددة لاقت كلها استجابة من الأهالي على النقيض من المبادرات الحكومية التي جاءت متراخية تتذرع بعدم توفر الميزانية ، بحسب ادور.
تقدر الأمم المتحدة ان المواجهات المسلحة كانت مسؤولة عن نزوح مليون ومئتي الف عراقي هذا العام بينهم نحو نصف مليون هجرهم مسلحو داعش من بيوتهم.
مزيد من التفاصيل في الملف الصوتي الذي ساهمت في اعداده مراسلة اذاعة العراق الحر براء عفيف.